فإن الاعتبار بمفارقة حيطان البلد المبنية للإيواء والكن، فأما حيطان البساتين فهي كالمعدومة: لأنها مبنية لحفظ الغلات والثمار لا للاستيطان، وإن كان البلد ذا جانبين يفصل بينهما نهر كبغداد وواسط والبصرة فالجانبان معاً كالبلد الواحد يفصل بينهما شارع، فالماء والشارع سواء فلا يجوز القصر إذا عبر من أحد الجانبين إلى الآخر، وإن كانت قريتان اتصلت عمارتها حتى ليس بينهما قضاء فإنهما بمنزلة القرية الواحدة، وإن كان بينهما قضاء فهما قريتان، وان كان ذراعا مثلا ذكره في "الحاوي".
ضومن أصحابنا من قال: إن كان الفضاء يتباعد بينهما فعلى ما ذكرنا، وان قرب القضاء بينهما فهما قرية واحدة. ذكره ابن سريج، وهذا خلاف المذهب، لأن الشافعي نص على ما ذكرنا وأطلق، وهذا لأن كل واحدة منهما منفصلة باسمها وبنائها، وإن كان بدوياً يخرج من البادية، فإن لم يكن خيمة يكون فيها بل له بقعة قد نزلها، نقل المزني أنه لا يقصر حتى يفارق موضعه. وقال الشافعي في كتاب استقبال القبلة: حتى [٤٧ ب / ٣] يجاوز البقعة التي فيها منزله، وهذا أبين وأشرح، وأراد المزني أيضاً بقعة موضعه لا نفس الموضع، وهي مواضع تردده إليها في الاحتطاب وغير ذلك على العادة، وقال عطاء والأسود والحارث بن أبي ربيعة رحمهم الله: إذا نوى السفر جاز له القصر في منزله وبلده لمجرد النية.
وقال مجاهد رحمه الله: إن سافر نهاراً لا يقصر حتى يمسي، وإذا سافر ليلاً لا يقصر حتى يصبح، وهذا غلط لما روي عن أنى رضي الله عنه أنه قال: صليت مع وسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين. وقال علي بن ربيعة: خرجت مع علي رضي الله عنه فقصر ونحن نرى البيوت ورجعنا بقصر ونحن نرى البيوت. واحتج عطا، بأنه لو نوى الإقامة فإنه يلزمه الإتمام في الحال، فإذا نوى الفر قصر في الحال أيضا. إن الحارث بن أبي ربيعة أراد سفراً فصلى بهم ركعتين في منزله وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب عبد الله، فصار إجماعاً، قلنا: إذا نوى الإقامة وجد مع النية ما يوافقها وهو اللبث والإقامة، وإذا نوى السفر لا يوجد ما يطابقها حتى [٤٨ أ / ٣] يسير فيما جاوز البنيان فاعتبر ذلك فيها.
فرع
لو كانت له خيمة وهناك خيام مجتمعة كالبيوت في القرية فحتى يفارق كلها، نص عليه في "الأم" قال: فإن كان في حاضر مجتمع فحتى يفارق ما قارب منزله، وأراد إذا كان من أهل المظال والخيام لقبائل متفرقة فلا اعتبار بالحلة، فإن كانوا يعدونها حلة واحدة فيعتبر مجاوزة جميعها، وان كانوا يعدونها حللاً مختلفة، فإذا جاوز حلت له أن يقصر: لأن الحلل هي كالقوى فإذا فارق قريته قصر وإن كان يقربها قرية أخرى لم