أفضل، فيكون في المسألة قولان، ومن أصحابنا من ذكر قولاً واحداً أن القصر أفضل وهو اختيار أبي حامد، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله وقول الشافعي رحمه الله: وأكره ترك القصر رغبة عن السنة لم يرد به أن تركه رغبة عن السنة، ولكن أراد إذا ترك على وجه الرغبة عن السنة كفر، فكيف يقول الشافعي هذا؟ قلنا: قيل: إن الشافعي قال في "الأم": والقصر سنة وأكره تركه، وهذا نقله المزني وله تأويلان: أحدهما: أنه أراد أن يتركه في حال [٤٦ أ / ٣] الأمن عدولاً عن قبول خبر الواحد. وهذا لا يوجب كفراً، لأنه ذهب إلى ظاهر القرآن وشرط الخوف فيه.
والثاني: أراد أنه رغب عن هذه السنة الرخصة الثانية بالسنة، وقال: لا أترك ما ثبت من عدد الركعات بالتواتر والإجماع، فإن قيل: أليس الصوم أفضل من الإفطار في السفر إذا أطاق الصوم فكذلك الإتمام وجب أن يكون أفضل؟ قلنا: قال القفال: الفطر
أفضل من الصوم في أحد الوجهين والصحيح الغرة، وذلك أن الذمة تبقى مشغولة بقضاء الصوم دون قضاء الصلاة إذا قصرها، ودخل الوقت تفوت بالفطر بخلاف القصر، ولأن الخلاف فيه أشهر منه في جواز الفطر: ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"خيار عباد الله الذين إذا سافروا قصروا"، وقد داوم النبي - صلى الله عليه وسلم - على القصر ولا يداوم إلا على الأفضل، وقال عمران بن الحصين رضي الله عنه: حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يصلي ركعتين وسافرت مع أبي بكر رضي الله عنه فكان يصلي ركعتين حتى ذهب وسافرت مع عمر رضي الله عنه فكان يصلي ركعتين حتى [٤٦ ب / ٣] ذهب وسافرت مع عثمان رضي الله عنه فصلى ركعتين ست سنين، ثم أتم بمنى.
فإن قيل: إذا اعتبرتم الاحتياط للخروج من الخلاف هاهنا، وفي القصر في أقل من ثلاث مراحل على ما قال الشافعي فيم لا يحتاطون في الوتر حتى يوتر بثلاث؟ قلنا: لأن الأخبار في الوتر بواحدة هي كثيرة مشهورة، وهاهنا أكثر فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسفار القصر فيها، ثم قال الشافعي رحمة الله عليه:"وله أن يفطر في أيام رمضان، فإن صام فيه أجزأه" وموضعه كتاب الصوم.
مسألة: قال: فإن نوى السفر فلا يقصر حتى يفارق المنازل.
الفصل
وهذا كما قال: الكلام الآن في وقت القصر، فكل سفر يقصر فيه الصلاة فوقت القصر هو إذا فارق البنيان والمنازل، وهو المكان الذي إذا عاد إليه من سفره يزول القصر، فإن كان للبلد سور فحتى يفارق السور، وإن لم يكن له سور فحتى يفارق البنيان والمنازل، فلا يبقى بيت منفصل ولا متصل، وان كانت أطراف البلد حزبه نظر، فإن كانت الحيطان قائمة فهي كالعامرة، وان كانت ساقطة [٤٧ أ / ٣] فهي كالمعدومة، وإن كان حول البلد بساتين،