القصر، ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الشد والحل والارتحال فجاز القصر فيها كالثلاث، ثم الصحيح أنه تجديد كالنصاب في الزكاة: لأنه ثبت بالنص عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة لا بالاجتهاد، وقال أبو إسحاق رحمه الله: لم يقصد الشافعي بألفاظه التحديد الذي لا ينقص منه وإنما أراد به التقريب.
فرع
لو سافر في البحر لا اعتبار بسير الفن كما لا اعتبار في البر بالسير السريح، بل الاعتبار بالمسافة التي يقصر الصلاة في مثلها في البرء قال: فإن شك هل بلغ مثل تلك المسافة في البر أم لا؟. لا يجوز له القصر حتى يستيقن أنها مسافة القصر.
مسألة: قال: وأكره ترك القصر رغبة عن السنة.
وهذا كما قال: الصلوات المفروضات خمس، اثنتان منها لا تقصران، وهما الصبح والمغرب، والباقيات يقصرن وهي الظهر والعصر والعشاء، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: فرفت [٤٥ أ / ٣] الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر إلا المغرب والصبح. أما المغرب فوتر النهار، وأما الصبح فلطول القنوت. معناه: أنه مقصور عدداً ولكنه يطول بطول القراءة فإذا كان في السفر يخفف القراءة فيه: ولأن الصبح مقصور والمغرب لا ينتصف صحيحاً، ولا يمكن أن ترد إلى ركعتين: لأنه يخرج عن كونه وتراً ولا أن ترد إلى ركعة: لأنه إسقاط الأكثر، ثم اعلم أن القصر رخصة لا عزيمة ولا فرض كالمسح على الخفين فهو بالخيار إن شاء أتم وإن شاء قصر، وأيهما فعل سقط عنه الغرض كالعبد والمرأة إذا حضرا الجمعة يختاران الجمعة أو الظهر أربح ركعات، وأيتهما فعلا سقط عنهما الفرض، وبه قال عثمان وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وعائشة رضي الله عنهم والأوزاعي وأحمد وأبو ثور رحمهم الله.
وقال أبو حنيفة والثوري رحمهما الله: القصر عزيمة لا يجوز تركه بحال، وبه قال عمر وعلي رضي الله عنهما، وعن مالك رحمه الله روايتان والأشهر عنه نحو مذهبنا، وهذا غلط لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجت مع [٤٥ ب / ٣] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عمرة رمضان فأفطر وصمت، وقصر وأتممت. فقلت:"يا رسول الله بأبي أنت وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أحسنت"، وهذا نص ولأنه لو صلى خلف مقيم صلى أربعاً والركعات لا تزيد بالإتمام، فإذا تقرر هذا نص الشافعي رحمه الله في كتاب استقبال القبلة أن القصر أفضل من الإتمام، ونقل المزني رحمه الله في "الجامح الكبير": أن الاختيار للمسافر القصر، ثم اعترض عليه بأن الإتمام أفضل لأنه أكثر عملاً، وهو مذهبه ونص في كتاب الإمامة على أن الإتمام