فإذا تقرر هذا فحد السفر الطويل ماذا؟ قال الشافعي: هاهنا ستة وأربعون ميلاً بالهاشمي. وقال في القديم: يقصر إذا جاوز أربعين ميلاً، وقال في موضع: مسيرة ليلتين، وقال في موضع: مسيرة يوم وليلة. وقال في موضع: أربعة برد. وكل هذا واحد والأصل فيه ما قال [٤٣ ب / ٣] هاهنا ستة وأربعون ميلاً، والذي قال ثمانية وأربعون ميلاً احتسب فيه الميل الذي يبتدي منه، والميل الذي ينتهي إليه وهناك لم يحتسب. والذي قال في القديم: جاوز أربعين ميلاً أبهمه وفسره في الجديد، والذي قال مسيرة ليلتين قال: فيه قاصرتين سير الأبغال ودبيب الأقدام دون سير البرد والخيل ونحب الركاب لأن ذلك خارج عن المعتاد، كما لا يعتبر سير المزمن والمقعد، وذلك ستة عشر فرسخاً في كل ليلة ثمانية فراسخ، والذي قال مسيرة يوم وليلة أراد إذا وصل سير الليل والنهار وذلك ما قلناه. والذي قاله: أربعة برد فهو ما ذكرنا؟ لأن كل بريد أربعة فراسخ كل فرسخ ثلاثة أميال بأميال هاشم جد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي قدر أميال البادية وبردها كل ميل اثنا عشر ألف قدم، وهي أربعة آلاف خطوة، فإن كل ثلاثة أقدام خطوة. وجملته ستة عشر فرسخاً.
وقال بعض أصحابنا: كل ميل أربعة آلاف قدم وهو غلط ظاهر، وقال الساجي: قوله: ثمانية وأربعون ميلاً أراد به أميال بني أمية، وقوله: ستة وأربعون ميلاً أراد به أميال بني هاشم لأن أميال بني أمية هي أقصر من أميال بني هاشم وهذا [٤٤ أ / ٣] غلط، لأن الشافعي رحمة الله عليه نص في الموضعين على أميال بني هاشم، وبقولنا: قال مالك والليث، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وروي ذلك عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح: لا يقصر إلا في ثلاث مراحل أربعة وعشرون فرسخاً، وروي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه وسويد بن غفلة وسعيد بن جبير والنخعي رحمهم الله.
وقال الأوزاعي: يقصر في مسيرة يوم، وروي ذلك عن أنى رضي الله عنه وقال الزهري رحمه الله: مسيرة يوم تام ثلاثين ميلاً، وقد قال الشافعي رحمه الله: لا يستحب أن يقصر في أقل من مسيرة ثلاثة أيام. كما قال أبو حنيفة: للخروج من الخلاف، والدليل على ما ذكرنا: خبر ابن عباس رضي الله عنهما ما ذكرنا، وقال عطاء رحمه الله: لابن عباس رضي الله عنهما أأقصر إلى عرفة؟ فقال: لا، فقال: إلى منى؟ فقال: لا، ولكن اقصر إلى جدة أربعة برد. واحتجوا بما روي عن أنس رضي الله عنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ يصلي ركعتين. أورده أبو داود عن علي رضي الله عنهما أنه خرج [٤٤ ب / ٣] إلى النخيلة فصلى بهم الظهر ركعتين، ثم رجع من يومه، وقال عمرو بن دينار: قال لي جابر بن زيد: أقصر بعرفة؟ قلت: احمل الخبر على ما لو نوى سفراً طويلاً، فحين خرج من بلده ثلاثة أميال ابتداء