على طرف البلد من الجانب الذي يلي هذه القرية، ويكون المنادي صبياً والأصوات هادئة، والريح ساكنة، وكان من ليس بأصم مستمعاً، يعني مصغياً غير لاه ولا ساهٍ ولا يشترط نفس السماع بل إمكان السماع بدليل الأصم، ولا يعتبر أن يكون المؤذن على سور البلد أو على منارة ليعلو على البناء، لأن الارتفاع لا حد له.
وقال القاضي الطبري: وسمعت بعض شيوخنا يقول: إلا بطبرستان فإنها مبنية بين غياض [٨٧ ب/ ٣] وأشجار تمنع من بلوغ الصوت فيعتبر أن يصعد على بناء أو منارة بعلو الأشجار التي حواليه، لأن ذلك عارض بمنع السماع فيعتبر زواله.
وذكر بعض أصحابنا بخراسان: أنه يعتبر أن يكون على موضع عال قد جرت العادة بمثله للأذان من المنارة وغيرها ولم يفصلوا هكذا وذلك أصح. وقال أبو يعقوب الأبيوردي: هل يعتبر النداء في وسط البلد أم في طرفه؟ وجهان: أحدهما: هذا، والثاني: يعتبر في الوسط لأن النداء في الغالب يقع في الجامع وهذا خلافه ظاهر المذهبه.
فرع
لو كانت قرية على قمة جبل وأخرى دونها على وجه الأرض والنداء يبلغ القرية إلى أعلى قلة الجبل، ولا يبلغ التي على وجه الأرض لا تجب الجمعة على أهل القريتين؛ لأن أهل القرية التي على قمة الجبل إنما يسمع النداء للعارض وهو ارتفاع موضعها، وإنما يعتبر سماع النداء مع زوال العارض ألا ترى أنا نراعي سكون الرياح وهدوء الأصوات، فكذلك نراعي أن لا تكون القرية على قمة الجبل، لأن بلوغ النداء إليها لارتفاعها لا لأجل ما بينهما من القرب، وعلى هذا إذا كانت قريتان إحداهما [٨٨ أ/ ٣] على وجه الأرض يبلغها النداء والأخرى دونها في وهدة لا يبلغها النداء تجب الجمعة على أهل القريتين؛ لأن النداء لا يبلغ أهل القرية التي في الوهدة لعارض وهو انخفاض موضعها هكذا ذكره القاضي الطبري، وهو الأشبه بكلام الشافعي ومذهبه.
وقال أبو حامد: بالعكس من هذا فقال: لا جمعة على أهل الوهدة، لأن النادر يلحق بالغالب السائر ممن لا يسمع لبعده، ويجب على من كان على قمة الجبل؛ لأنه وإن كان نادراً في السماع يلحق بالغالب ممن يسمع لقربه من البلد وسمعت بعض أصحابنا قال: فيه وجهان.
فرع
قال الشافعي رحمه الله: فإن لم تكن بيوتها مجتمعة فليسيروا أهل قرية لا يجمعون بل يتمون، ولو كانت قرية كما وصفنا فتهدمت منازلها أو بعضها وبقي في الباقي أربعون رجلاً وأهلها لازمون لها ليصلحوها جمَّعوا، سواء كانوا في مطال أو غير مطال، ولو كانت بيوتها مجتمعة ولكنهم أهل خيام فليسوا من أهل الجمعة، لأن بيتهم يتنقل معهم كالمتاع والوطن لا يكون إلا بشرطين:
أحدهما: أن تكون الأبنية ثابتة ويكون البناء من آجر [٨٨ ب / ٣] وجص أو حجر أو طين أو خشبة أو جريد ونحو ذلك.