واستاك ومس من طيب إن كان عنده، ولبس أحسن ثيابه ثم جاء إلى المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء أن يركعء ثم أنصت إذا خرج الإمام حتى يصلي كان كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها" فدل على أن خروج الإمام يوجب الإنصات، وهذا غلط لما روى ابن شهاب، عن ثعلبة بن أبي مالك أنه يقول: قعود الإمام يقطع السجدة وكلامه يقطع الكلام وأنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون جلسوا يتحدثون حتى إذا سكت المؤذنون وقام عمر سكتوا فلا يتكلم أحد. وأما الخبر الذي ذكروه قلنا: قد روي: وأنصت إذا خطب الإمام [١١٧ ب/ ٣] أو نحمله على هذا بدليل ما ذكرنا. وأما إذا دخل واحد المسجد والإمام يخطب ملى ركعتين تحية المسجد، ويخففهما ثم يجلس ويسمع الخطبة سواء كان الإمام في الخطبة الأولى أو الخطبة الثانية، ويستحب له ذلك، وبه قال الحسن ومكحول والثوري وأحمد وإسحاق رحمهم الله.
وقال مالك والليث وأبو حنيفة: ويكره ذلك ويحكى هذا عن الثوري وقال الأوزاعي: إن كان قد صلى في بيته ركعتين فلا يصلي وإلا فيصلي مكانه يجيز تحية المسجد في بيته واحتجوا بما روى عبد الله بن بسر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً جاء يتخطى رقاب الناس فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجلس فقد آذيت وآنيت"، وهذا غلط لما احتج به الشافعي حديث سليك الغطفاني وهو ما روى جابر رضي الله عنه قال: جاء سليك هذا يوم الجمعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجلس فقال له: "يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما"، ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" فإن قيل: روي في بعض الأخبار أنه - صلى الله عليه وسلم - قال [١١٨ أ/ ٣] لسليك: "لا تعودن لمثل هذا"، قلنا: هذه الزيادة ليست في شيء من الأصول، ثم معناه لا تعودن إلى التأخير واحتج أيضاً بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وتمام الخبر ما روي أن مروان بن عبد الملك لما ولي الخلافة كان يخطب بنفسه والناس يبغضونه ولا يستمعون لخطبته ويصلون عندها، فعلم مروان ذلك فأمر زبانيته أن يطوفوا في المسجد عند خطبته فيقعدوا الناس عن الصلاة، فدخل أبو سعيد يوماً ومروان يخطب، فقام يصلي فأتاه زبانيته ليقعدوه فلم يقعد حتى صلى ركعتين فقيل له: كاد هؤلاء الزبانية يأكلونك فما منعك من أن تدعهما؟ فقال: ما كنت لأدعهما بعد شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم روى خبر سليك الغطفاني، وأما خبرهم قلنا: يحتمل أنه أمره بالجلوس، لأنه كان في آخر الخطبة، أو كان الموضع مضيق عن الصلاة.