إلا إن يغشاهم العدو، فلا يكون قطعاً للصلاة: لأنهم لم ينووا في الحال القتال بل نووا القتال إن حدث غشيان العدو، وهذا لا يبطل الصلاة، وان تهيأوا سيراً خفيفاً مع هذه [١٧٧ أ/ ٣] النية؛ لأن العمل اليسير لا يبطلها ولم توجد نية العمل الكثير.
فَرْعٌ آخرُ
لو تكلم من الخوف وهو ذاكر بطلت صلاته: لأن الكلام يحرم في صلاة الخوف أيضاً ولو نووا القتال ولم يحدثوا عملاً لا تبطل حتى يحدثوا عملاً وإن قل، وعلى هذا لو نوى رجل أن يتكلم في الصلاة في ثاني الحال لا تبطل صلاته في الحال، هذا هو المذهب: ولهذا قال الشافعي رحمه الله: لو فرق الإمام أربع فرق وصلى بكل فرقة ركعة لا تبطل صلاة الإمام حتى يزيد في الانتظار؛ وإن لم تبطل صلاته حين أحرم وهو نوى أن ينتظر انتظاراً يبطل الصلاة.
فَرْعٌ آخرُ
لو كانوا في المصر وأراد الإمام أن يصلي بهم الجمعة عند الخوف. ذكر الشافعي رحمه الله في "الأم" فيها أربع مسائل:
إحداها: قال: فرقهم فرقتين يخطب بفرقة ويصلي بهم ركعة، ثم يثبت قائماً ويتموا لأنفسهم بقوله: يجهرون فيها ثم وقفوا بإزاء العدو. وتأتي الطائفة الأخرى فتحرم خلفه وتصلي معه ركعة ويثبت جالساً حتى يقضوا ما بقي عليهم، ثم سلم بهم الإمام: لأن شرائطها قد وجبت، وإنما تجهر الطائفة الأولى في الركعة [١٧٧ ب/ ٣] الثانية لأنهم منفردون ولا تجهر الطائفة الثانية في الركعة الثانية لأنهم متابعون حكماً نص عليه، وقد ذكر القفال هذه المسألة عن الشافعي على هذه العبارة وأول بتأويل لا يساعده هذا اللفظ، والصحيح هو الذي ذكرنا، فإن قيل: إذا خطب بأحديهما وصلى بها ركعة، فإن هذه الطائفة تصلي الركعة الأخرى منفردة عن الإمام فينفرد المأموم عن الإمام، وينفرد الإمام عن المأمومين، ومن شرط صحة الجمعة بقاء العدو والجماعة من أولها إلى آخرها على أصح الأقوال حتى لو انفضوا لا تصح جمعتهم، قلنا: من أصحابنا من قال: إنما قال هذا على القول الذي نقول لا يعتبر العدد من أول الصلاة إلى آخرها، فأما على القول الأخر لا تصح الجمعة هاهنا، ومنهم من قال: هاهنا يجوز قولا واحداً للضرورة والعذر في فراق الإمام هاهنا، بخلاف الانفضاض، ولأنهم إذا انفضوا لا يتوقع من يحضره غيرهم، وهي الطائفة الأخرى، فلهذا [١٧٨ أ/ ٣] يتمونها جمعة، فإن قيل: إذا انصرفت الطائفة الأولى بعد فراغها من الجمعة، ثم جاءت الأخرى كيف يحرمون بالجمعة، وقد أقيمت الجمعة بمصر مرة؛ قلنا: إنما منع ذلك إذا أتمها الإمام، وهاهنا لم يفرغ الإمام من الجمعة، وإنما أدركت الطائفة الأولى معه ركعة، وأصل الجمعة التي عقدها الإمام لم تتم فانعقد بها الثانية وجرت مجرى المستعين وهو كما لو