قال الله تعالى: {ولا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} (المرسلات:٣٦) ثم احتج بأنه لما لم يكن على ما فوق الأذنين مما يليهما, يريد به البياض المتصل بهما فوقهما من الرأس ولا على ما وراءها مما يلي منابت شعر الرأس إلى الأذنين, ولا على ما يليهما إلى العنق يريد به البياض الذي هو تحت الأذنين مما يلي العنق مسح, يعني مع الرأس (٧٦ أ/ ١) مع كون هذه أقرب إلى الرأس, فلأن لا يكون على الأذنين مسح مع كونهما أبعد من الرأس خلقة واسمًا أولى, فإن منعوا وقالوا: ذلك البياض الذي فوق الأذنين من الرأس, قلنا: هو محال, لأنا نعرف حد الرأس من غيره بنبات الشعر في العرف والعادة, وهذا الموضع لا ينبت عليه الشعر كالجبهة والقفا, فلا يكون من الرأس. ثم احتج المزني, لو كانتا من الرأس أجزأ من حج حلقهما عن تقصير الرأس- يعني أن من فرغ من أعمال العمرة, وأراد أن يتحلل عليه أن يحلق رأسه أو يقصر. فلو كان على أذنيه شعر فحلقه عن تقصير الرأس لم يجزئه بالإجماع. وإن أكمل به رفع الرأس عندهم, فإن المشروع عندهم الربع أو تقصيره وهذا احتجاج صحيح. وربما يمنع بعض المتأخرين منهم فيعتمد على ما اعتمد عليه الشافعي أولاً, وهو أنه لا يجزئ مسحه عن مسح الرأس, وهذا لا شك فيه.
ثم قال: "وَالْفَرقُ بَيْنَ مَا يُجْزِئُ مِنْ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأَسِ, وَلاَ يُجْزِئُ إلاَّ مَسْحُ كُلَّ الْوَجْه فَي الْتَّيِمُّمِ".
الفصل
وقصد به الرد على مالك على ما تقدم بيانه, وقد ذكرنا الفرق بين مسح الوجه في التيمم, ومسح الرأس في الوضوء لا يدخل على الفرق الذي ذكرنا, المسح على الخفين لا يلزم استيعابه لأنه ليس ببدل غسل الرجل, بل هو رخصة وتخفيف, فاستيعابه مخرجه عن موضوعه ليس هو ببدل في محل أصله, بل هو سائر الأصل بخلاف مسح (٧٦ ب/ ١) الوجه في التيمم.
مسألة: قال: "وَإِنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ وَغُسْلَهُ أَجْزَأَهُ".
الفصل
وهذا كما قال: تفريق الطهارة وهو يسير وكثير, فاليسير لا يؤثر فيها, وفي الكثير قولان قال في "القديم": يبطلها ويجب استئنافها كما في الصلاة. وبه قال قتادة, ومالك, والليث, والأوزاعي, وأحمد. وروي عن أحمد أنه قال في الغسل: لا يبطله. ووجه هذا ما روي عن عمرو- رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً توضأ وترك في قدمه موضع