عاش إلى زماننا هذا لنهي عنه، وروي أن النساء كن يحضرن المجلس على عهد أبي بكر رضي الله عنه للصلاة كما كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج عبد الله بن عمرو بن العاص يوما وامرأته بين يديه تمضي إلى المسجد فأراد أن يمتحنها فجر بعض ثيابها فعلمت أن رجلا أخذ ببعض ثيابها فلم تلتفت إليه وانصرفت إلي بيتها، فلما رجع عبد الله إلى بيته قال لها: أحضرت "٢١٩ ب/٣" المسجد؟ قالت: لا وقد عزمت أن لا أخرج أبدا، قال: وما بالك؟ قالت: أخذ رجل ببعض ثيابس فجره وقد تغير الزمان وتغير الناس، فقال عبد الله: أنا الذي فعلت ذلك، فقالت: الآن وجب علي أن لا أخرج إذا كان لا يتداخلك هذا مني في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا حسن، لكنه خلاف المذهب. فإذا تقرر هذا فيستحب إخراج الصبيان من الذكور والإناث أيضا. ويلبس كلهم في يوم العيد أحسن ما يقدر عليه من الثياب ويزينون بالصبغ والحلي، لأن ذلك يوم سرر وإظهار زينة وذا نص من الشافعي على أنه يباح أن يلبس الصبي حلي الذهب والديباج، وهذا لأنه لا يخاف الافتتان بهم ولا تكليف عليهم: قيل هل يجوز للصبيان لبس الحرير؟ قولان.
وقال في "الحاوي": استحب بعض أصحابنا البغداديين حضور النساء الثيبات في العيد لخبر أم عطية وهو غلط، بل خروجهن مكروه لخوف الافتتان وخبر أم عطيه نسخ.
مسألة: قال وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان يغدو من طريق ويرجع من أخرى".
وهذا كما قال، روي الشافعي عن المطلب بن عبد الله بن "٢٢٠ أ/٣" حنطب "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجع من المصلى في يوم عيد فلما بلغ مسجد الأعرج الذي عند موضع البركة التي بالسوق قام فاستقبل القبلة، ثم دعا وانصرف".
قال الشافعي: فاحب أن يصنع الإمام هذا ويقف في موضع يدعو الله وهو مستقبل القبلة، فإن لم يفعل فلا كفارة ولا إعادة.
واختلف أصحابنا في معنى الخروج من طريق والرجوع من طريق أخرى: فمنهم من قال وهو الأصح سلوك: الأبعد ذاهبا والأقرب راجعا، لأنه يمضي في عبادة فيكتب خطاه ويكثر له الثواب ويرجع تاركا للعبادة لا يثاب عليه، وقيل: كان يفعل هذا لتتشرف به البقاع من الجانبين وتعم بركته أهل الطريقيتين، وقيل: كان يفعل هذا لئلا يضيق على الناس، لأنهم كانوا ينتظرون انصرافه في ذلك الطريق ومعه جمع آخر من الناس فتكثر الزحمة. وقد قال ابن عمر رضي الله عنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يفعل ذلك ليتسع على الناس" وقيل: كان يفعل ذلك لتشهد له البقاع، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مشى في خير أو بر شهدت له البقاع يوم القيامة"، وفيه "٢٢٠ ب/٣" تأويلان: