وحكى عن مالك أنه قال: لم يسمع أن السجود يطول في صلاة الكسوف وهذا غلط لما روى ابن عمر أنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف فلم يكد يركع، ثم ركع، فلم يكد يرفع ثم رفع، فلم يكد يسجد، ثم سجد، فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد، وهذا يدل على أنه طول السجود كما طول الركوع.
ومن أصحابنا من قال: المذهب أنه يسجد كما يسجد في غيرها لأن الشافعي لم يذكر وقال ابن سريج: يطيل السجود وليس بشيء وهذا ضعيف عندي، وقال فيه أيضا: في الركوع الأول يركع طويلا نحوا من قراءته وكذلك في الركوع الثاني والثالث والرابع وهذا يدل على أنه قدر الركوع بقدر القيام الذي قبله بخلاف ما قال في الأم فحصل قولان "٢٣٥ ب/٣"، وجه ما قال في البويطي إن الركوع موضع التضرع والدعاء والخشوع فإن لم يزد على القيام يجب أن لا ينقص منه.
وذكر بعض أصحابنا بخراسان: أنه يسبح في الركوع بقدر نصف القيام، وهذا ليس بشيء، ووجه ما قال في " الأم": أن القيام في سائر الصلوات هو أطول من الركوع لأن أقل ما يجزئ منه مقدار فاتحة الكتاب، وأقل ما يجزئ من الركوع مقدار الطمأنينية، وذلك القراءة المسنونة في أطول من التسبيح المسنون، فوجب أن يكن الركوع أقل من القيام الذي قبله، وبقولنا قال عثمان بن عفان وابن عباس ومالك وأحمد وإسحاق رضي الله عنهم.
وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة: يصلي ركعتين كصلاة الصبح. وحكى عن أحمد وإسحاق أنه يصلي ركعتين في كل ركعة ثلاث قومات وثلاثة ركوعات، وهذا غلط لما احتج الشافعي بما روى ابن عباس رضي الله عنه قال:"خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج وصلى والناس معه فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا ثم قام قياما طويلا، وهو بعض "٢٣٦ أ/٣" القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الذي قبله، ثم قام قياما طويلا، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم سجد فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات ثم انصرف" يعني: سلم من صلاته، وقد تجلت الشمس أي في حال انصرافه كانت الشمس قد تجلت، فقال: يعني: خطب وفي خطبته قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته" الخبر، وإنما قال هذا لأن إبرايهم ابنه كان قد مات في ذلك اليوم، ولم يكن الوقت وقت الخسوف إذ الشمس في الغالب إنما تنخسف في اليوم الثامن والعشرين من الشهر أو التاسع والعشرين. فقالوا: إنما خسفت لموت إبراهيم، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إشكالهم.