قال الشافعي: لأنه أسر أي أن ابن عباس لم يسمع القراءة لإسراره، ثم أيد ذلك، فإن قال: ولو سمعه ما قدر قراءته أي "٢٣٨ ب/٣" ما احتاج إلى أن يقول: قرأ نحوا من كذا، بل كان يقول: قرأ كذا وكذا، وقال سمرة بن جندب: "قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة خسوف الشمس أطول قيامه في صلاة قط ولم أسمع له حسا"، وروى ولم أسمع له صوتا.
وأما خبر عائشة قلنا: اختلفت الرواية عنها، فروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: تحرزت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فرأيت أنه قرأ في الركعة الأولى سورة البقرة، وفي الثانية سورة آل عمران"، وهذه الرواية هي أولى لانها تعاضد ما رويناه. فإذا تقرر هذا فإنه يخطب في الخسوف بعد الصلاة على المنبر ليلا كان أو نهارا، ويجلس بين الخطبتين ويأتي بأركان الخطبة ويحضر الناس على الخير ويأمرهم بالتوبة، والتقرب إلى الله تعالى، فإن كان في الموقف بعرفة خطب راكعا ويصلي بين الخطبتين بسكتة قدر الجلسة لو كان على المنبر، ولو تركها أو خطب على غير ما أمر به كرهت ولا إعادة ويستمع الناس لها فإن انصرفوا كرهته، ولا إعادة.
وقال في "الأم" وأحب "٢٣٩ أ/٣" للقوم بالبادية والسفر أن يخطب بهم أحدهم ويذكرهم إذا صلوا هذه الصلاة، وقال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف: لا تسن الخطبة في الكسوف واحتجوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو خطب لنقل نقلا ظاهرا كما نقلت خطبة العيد. وهذا غلط لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: لما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخسوف انصرف وخطب الناس، وذكر الله تعالى فأثنى عليه، وقال " يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وانصرفوا، ثم قال: يا أمة محمد والله ما أحدا أعز من الله تعالى أن يزني عبده أو تزني أمته، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"
قال ابن المنذر: ما خالف هذا الخبر أحد من أصحابنا إلا مالك وهذه غفلة منه؛ لأنه روى الحديث ثم تركه، لانه لم يشتهر وعدم الاشتهار لا يمنع صحة الخبر لأن النقل يكون على حسب الدواعي، ألا ترى أن الأذان لما توفرت الدواعي عليه نقل نقلا ظاهرا حتى لا يختلف "٢٣٩ ب/٣" أحد أنه شفع، واختلفوا في الإقامة هل هي شفع أو وتر، ولم ينقل مثل ذلك النقل، وإن صلى منفردا لم يخطب لأن الخطبة هي للوعظ والتذكير للغير.