قال: ولا آمر بإخراج البهائم وأراد لا يستحب ذلك ولا أكرهه؛ لأن بحضورها أثرا في الرحمة، وروي أن قوم يونس - صلى الله عليه وسلم - لما أظلهم العذاب وطلبوا يونس - صلى الله عليه وسلم - ليسلموا هرب منهم فخرجوا إلى الصحراء وفرقوا بين النساء وأولادهن وبين البهائم وأولادها، فضجت الأمهات وضج الأولاد وكثر الدعاء فرفع الله تععالى عنهم العذاب، وإنما قلنا: لا يستحب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخرجها في الاستسقاء. وقال أبو إسحاق: يستحب إخراج البهائم لعل الله تعالى أن يرحمها ولا يؤاخذها بذنوب بني ءادم، لأنها تستضر بالجدب أيضا كبني ءادم، ومن قال بهذا قال: تأويل ما قال في "الأم"، " ولا آمر بأخراج البهائم كما آمر بإخراج الصبيان والشيوخ" فجعل حضورهم آكد وأفضل.
وحكى القفال عن الشافعي أنه قال: أحب إخراج البهائم وإيقافها في جانب بين الناس للخبر الذي ذكرنا وهذا غريب.
وقال في "الحاوي""٢٤٨ ب/٣" قال ابن أبي هريرة: إخراج البهائم أولى من تركها. وقال سائر أصحابنا: إخراجها مكروه لما فيه من تعذيبها واشتغال الناس بأصواتها، وإنها من غير أهل التكليف، وهذا خلاف النص الذي ذكرنا، وحكى أن سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام خرج يستسقي فرأى نملة قد استقلت على ظهرها تستسقي فقال: ارجعوا فقد سقيتم بعيركم.
مسألة: قال: وأكره إخراج من خالف الإسلام للاستسقاء في موضع مستسقى المسلمسن وأمنعهم من ذلك.
وهذا كما قال: لا يجوز للإمام أن يخرج أهل الذمة وسائر الكفار للاستسقاء؛ لأن اللعنة تنزل عليهم.
قال أصحابنا: وربما كانوا هم سبب القحط لقوله تعالى: {وأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا}"الجن: ١٦" فإن خرجوا متميزين عنهم، قال الشافعي: لا أمنعهم لأنهم مسترزقة والله تعالى يضمن رزق العباد المؤمنين والكفار فقوله تعالى: {وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ ومَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً}" البقرة: ١٢٦" الآية.
وهذا إذا أرادوا أن يخرجوا في غير يوم المسلمين، فأما إن أرادوا الخروج في يوم المسلمين إلى موضع آخر متميزين عن المسليمن فيه "٢٤٩ أ/٣" وجهان:
أحدهما: يمنعون لأن الشافعي قال في " الأم": وأكره إخراج من خالف الإسلام للاستسقاء مع المسلمين في موضع مستسقى المسلمين وغيره، وأراد به في ذلك اليوم لأن في غيره لا يمنعون، ولأنا لا نأمن إذا استجيبت دعوة المسلمين أن يدعوها لأنفسهم.