يستحب أن يستسقى بمن يعرف أن له منزلة عند الله تعالى في الظاهر كما فعل عمر رضي الله عنه فإنه استسقى بالعباس رضي الله عنه، وقال:"اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك وإنا نتوسل إليك اليوم بعم نبيك العباس"، وروي أنه قال:"اللهم إن هذا عم نبيك فاحفظنا وعم نبيك لأنك تقول وقولك الحق: {وأَمَّا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي المَدِينَةِ وكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}[الكهف:٨٢] فحفظتهما بصلاح أبيهما فاحفظنا بعم نبيك". وروي أن معاوية رضي الله عنه "استسقى بيزيد بن الأسود وكان رجلاً صالحاً فقال: "اللهم إنا نستسقي إليك بخيرنا وأفضلنا. اللهم إنا نستسقي إليك بيزيد بن الأسود يا يزيد ارفع يديك إلى الله تعالى" فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فثارت سحابة من المغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتى كان الناس [٢٥٥ أ/ ٣] أن لا يبلغوا منازلهم".
وقال القفال: قال الشافعي: يذكر كل واحد في نفسه ما فعل من خير فيعرضه على ربه سراً، ثم يسأل الحاجة كما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "ذكر ثلاثة نفر من بني إسرائيل خرجوا لحاجة فآواهم المطر إلى غار، ثم انحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار، فقالوا: ما ينجينا من هذا الغار إلا الله تعالى، فقام أحدهم، وقال: اللهم إنك تعلم أنه كانت لي بنت عم وكانت أحب الناس إلي، فدعوتها إلى نفسي فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فاكتسبت مائة دينار وجئتها بها، فلما قعدت بين شعبها الأربع قالت لي: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت الدنانير، اللهم إن كنت تعلم أني لم أفعل ذلك إلا خوفاً منك فنجنا من هذا الغار فانحدرت الصخرة حتى رأوا شعاع الشمس، ولم يروا السماء. فقام الآخر، وقال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان وكانت لي غنم أرعاها فكنت لا أطعم ولا أشرب ما لم أشبعهما، فأبطأت عليهما ذات ليلة فوجدتهما قد ناما، فحلبت اللبن وقمت به على رأسهما وصبياني [٢٥٥ ب/ ٣] حولي جياعاً فلم أشرب، ولم أسقهم ولم أوقظهما حتى استيقظا فشربا ثم شربت وسقيت أهلي، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فنجنا فانحدرت الصخرة حتى رأوا السماء، فقام الثالث فقال: اللهم إنك تعلم أني استأجرت أجراء كل واحد منهم بصاع من أرز، فأبطأ أحدهم ذات يوم فجاء عند ارتفاع الضحى فدفعت إليه مثل ما لأصحابه فقال واحد منهم: لا أرضّ أن تسوي بيني وبينه، فإنه جاء بعدي فقلت له: هل نقصتك من أجرتك شيئاً. قال لا، قلت: هو مالي أعطيه من أشاء فغضب وترك لي أجوه، وذهب فزرعت ذلك ثم حصدت، ثم زرعت ثم حصدت حتى اجتمع منه مال كثير، واشتريت به عبيداً أكرة له فأصابته خصاصة فعاد، وقال: أتعرفني؟ قلت من أنت؟، فقال: أنا الذي راجعتك في أجري ذلك اليوم، وقد مستني الحاجة إليه فأعطني حقي فأمبته تلك الليلة، فلما أصبحت طفت به على تلك الأموال، وقلت: هذه لك، فقال: لي يا عبد الله لا تسخر بي وأعطني حقي، فأخبرته بما فعلت وسلمت إليه الأموال. اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فنجنا. فانفتح [٢٥٦ أ/٣]