ذكرنا من تشبيه الصلاة بالإيمان، وأشار الشافعي إلى المعنى فقال: يقال له: هذا العمل لا يعمله غيرك أي: لا تجري فيه النيابة ولا يمكن استخراجه منك إلا بك كالإيمان وهكذا لو قال: أعتقد وجوبها، ولكني أقبل عنها لما فيها من المشقة ولا أشط فيها، ولو قال: نسيتها [٢٦٣ أ/ ٣] أو تركتها لشغل عارض أمرناه بقضائها متى زال العذر وتذكر والقضاء موسع، وإن قال: أنا مريض قلنا له: صل كيف أطقت. وبهذا قال مالك وجماعة من السلف.
وقال أحمد وإسحاق: يكفر بتركها عمداً ويخرج عن الملة، فإذا قيل: لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وتوبته أن يصلي، ويروى هذا عن عمر وعلي رضي الله عنهما وقيل: هذا قول بعض أصحابنا ذكره في "المهذب"، وقال صاحب "التلخيص": يسوي عليه التراب بحيث لا يعلم أن هناك قبراً عقوبة له. وذكر أبو سليمان الخطابي عن بعض أصحابنا أنه لا يصلى عليه واحتجوا بظاهر الذي ذكرنا وهذا غلط لما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"خمس صلوات افترضهن الله تعالى على عباده في اليوم والليلة فمن جا، بهن لم يضع منهن شيئاً كان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة"، ولأنها من فروع الإيمان فلا يكفر بتركها مع اعتقاد وجوبها كالصوم.
وأما خبرهم: أراد به [٢٦٣ ب/٣] فحكمه حكم الكافر كما قال - صلى الله عليه وسلم - "قتال: المسلم كفر"، وقال أبو حنيفة والثوري: لا يقتل تاركها ويحبس حتى يصلي وقال بعضهم: لا يتعرض له لأنها أمانة فيما بينه وبين الله تعالى.
وقال بعضهم: يضرب حتى يصلي وبه قال المزني، واحتجوا بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، وزناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق". وهذا غلط لما ذكرنا من الخبر، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"فمن ترك الصلاة فقد برئت منه الذمة" رواه مكحول فدل على إباحة قتله. فإذا تقرر هذا اختلف أصحابنا في وقت وجوب القتل، فقال الإصطخري: إذا ترك ثلاث صلوات وضاق وقت الرابعة قتل، ولا يقتل بترك صلاة واحدة وصلاتين، لأنه يجوز أن يكون قد تركها لعارض عذر، فإذا تكرر منه الترك علمنا أنه تركها تهاوناً بها واستخفافاً.
وقال أبو إسحاق: إذا ترك صلاة واحدة وتضيق وقت الثانية وامتنع من أدائها يقتل. وقال بعض أصحابنا بخراسان:[٢٦٤ أ/ ٣] إذا ترك صلاة حتى خرج وقتها من غير عذر أمر بقضائها، فإن لم يفعل قتل، ولا يقتل ما لم يخرج وقت العذر والضرورة، مثل