للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإعراض عنه، كما ذكره الله عنهم (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) (فصلت: ٢٦).

فقد نفد صبرهم عن الصمود لاستماعه لمبلغ تأثيره فيهم وخشيتهم منه على أتباعهم وأنفسهم.

ووصف الله تأثيره في نفوس المؤمنين فقال سبحانه: (الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد) (الزمر: ٢٣).

قال أحد زعماء المشركين وهو الوليد بن المغيرة: " فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجز ولا قصيدة مني ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا. ووالله إن

لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى عليه وإنه ليحطم ما تحته ". (١)

وهذه دلالة واضحة على أن الإعجاز في القرآن نابع من نظمه وذاته من اعتراف بلغاء المشركين والفضل ما شهدت به الأعداء.

ومثل الوليد بن المغيرة فعل نده من المشركين عتبة بن ربيعة إذ قال لقومه: " إني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة واجعلوها لي، خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ … ". (٢).

ولو لم يكن الإعجاز نابعًا من ذات القرآن وجهته، وليس من حائل خارجي يمسكهم عن القول إمساكًا ملزمًا، لما استعظموا القرآن هذا الاستعظام ووصفوه بما وصفوه، غير أنهم أحسوا أن القرآن فوق ما سمعوا وما يستطيعونه من الكلام روعة وجلالًا وجمالًا في ألفاظه ومعانيه.


(١) - يُنظر: المستدرك على الصحيحين للنيسابوري - كتاب التفسير - تفسير سورة المدثر - مدح كلام الله من لسان الكافر: مسألة: (١٥٠٦)، (٣٩٢٦)، قال النيسابوري: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه.، ورواه الحاكم: في كتاب التفسير (٣٨٧٢) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، يُنظر: صحيح السيرة النبوية ص ١٥٩. وضعفه الذهبي وحكم عليه بالإرسال كما في تاريخ الإسلام: (١/ ١٥٤) وقال: روي مرسلاً، وضعفه كذلك مقبل بن هادي الوادعي في صحيح أسباب النزول: (١/ ٢٦٢). ويُنظر: عَرَفةُ بْنُ طَنْطَاوِيِّ: (جَنَى الخُرْفَةِ في إبطالِ القولِ بالصَّرْفةِ) (ص: ٤٣)، جَنَى الخُرْفَةِ في إبطالِ القولِ بالصَّرْفةِ، تأليف: عَرَفةُ بْنُ طَنْطَاوِيِّ، بحث منشور في مجلة البحوث الإسلامية- مجلة محكمة- العدد الستون، تاريخ النشر صفر ١٤٤٢ هـ.
وثبوت الأثر عند الباحث محل نظر، لوجود اضطراب لدى المحققين في ثبوته وصحته.
(٢) - وأثر: عتبة بن ربيعة ضعيف: وقد أخرج قصة عتبة بن ربيعة ابن إسحاق فيما ذكر ابن هشام (١/ ٢٩٣ - ٢٩٤) ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة (٢/ ٢٠٤ - ٢٠٥). حديث رقم: (٥٣٦)، الاعتقاد إلى سبيل الرشاد للبيهقي: حديث رقم: (٢٦٢). والأثر: إسناده ضعيف لأن به موضع إرسال، وفيه أحمد بن عبد الجبار العطاردي وهو ضعيف الحديث.

<<  <   >  >>