للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم دوافع عديدة من سب آلهتهم وتسفيه عقول آبائهم ومطالبتهم بالإتباع مما يذهب بزعامتهم ومصالحهم .. !؟

وكيف يلزمون الصمت مع القدرة على المباراة؟ وقد تحداهم عشرين سنة بشيء من صناعتهم التي فاقوا بها وافتخروا، مع تقريعهم بالعجز مرارًا وتكرارًا، وهم مضرب المثل في الحمية والأنفة وإباء الضيم.

لو أنهم أحسوا بالحيلولة والحجز لدرأوا عن أنفسهم وصمة العجز، فإنه ليس معتادًا في بني الإنسان قاطبة - فضلًا عمن ذكرنا أوصافهم من العرب -أن يذعن الواحد لخصمه فيستكين له

ويلقي بيديه ويسكت عن التقريع بالعجز أمدًا بعيدًا. فلما لم يؤثر عنهم مثل ذلك التشكي والتضجر دل ذلك على أنه لا أصل لما انصرف إليه أصحاب الصرفة واهمين.

قال الجرجاني (١) -رحمه الله تعالى-:

" ومما يلزمهم على أصل المقالة أنه كان ينبغي له إن كانت العرب منعت منزلة من الفصاحة قد كانوا عليها؛ أن يعرفوا ذلك من أنفسهم كما قدمت. ولو عرفوه لكان يكون قد جاء عنهم ذكر ذلك. ولكانوا قد قالوا للنبي-صلى الله عليه وسلم-: إنا كنا نستطيع قبل هذا الذي جئتنا به. ولكنك قد سحرتنا واحتلت في شيء حال بيننا وبينه. فقد نسبوه إلى السحر في كثير من الأمور كما لا يخفي. وكان أقل ما يجب في ذلك أن يتذاكروه فيما بينهم. ويشكوه البعض إلى البعض ويقولوا مالنا قد نقصنا من قرائحنا وقد حدث كلول في أذهاننا .. فبقي أن لم يُرْوَ ولم يذكر أنه كان منهم قول في هذا المعنى لا ما قلَّ ولا ما كثر، دليل دليل [على] أنه قول فاسد ورأي ليس من آراء ذوي التحصيل". (٢)

فهذا كله يجعل القول بالصَّرْفة باطلًا داحضًا يستوجب الانصراف عنه.

ثم يقول في موضع آخر رحمه الله:

" … لو لم يكن عجزهم عن معارضة القرآن وعن أن يأتوا بمثله، لأنه معجِز فى نفسه إلا أن أدخل عليهم العجز عنه، وصرفت هممهم وخواطرهم عن تأليف كلام مثله، وكان حالهم حال من أُعدم العلم بشيء قد كان يعلمه، وحيل بينه وبين أمر قد كان يتسع له، لكان ينبغي أن لا يتعاظَمَهم؛ ولا يكون منهم ما يدل على إكبارهم أمره، وتعجبهم منه، وعلى أنه قد بهرهم، وعظم كل العِظَم عندهم، بل كان ينبغي أن يكون الإكبار منهم والتعجب للذي دخل من العجز عليهم، ورأوه من تغير حالهم، ومن أن حيل بينهم وبين شيء قد كان عليهم سهلاً، وأن سُدَّ دونهم باب كان لهم


(١) - قال الإمام الذهبي: كان شافعيّاً، عالمًا، أَشعريّاً، ذا نسُكٍ ودين. سير أعلام النبلاء - (٣٥/ ص ٤٠٤).
(٢) - الرسالة الشافية، عبد القاهر الجرجاني: (ص: ١٣٥).

<<  <   >  >>