للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاسْتَمِعْ له وأَنْصِتْ: (ثُمَّ إنَّ عليْنا بَيانَهُ) [القيامة: ١٩] ثُمَّ إنَّ عليْنا أنْ تَقْرَأَهُ، فَكانَ رَسولُ اللَّهِ-

صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بَعْدَ ذلكَ إذا أتاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمع فإذا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النبيُّ-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كما قَرَأَهُ. (١)

وكان من أهم الأسباب التي أعان الله سبحانه بها نبيه محمدًا- صلى الله عليه وسلم - على حفظ القرآن وضبطه وتثبيته في قلبه معارضة جبريل-عليه السلام- إياه بالقرآن في رمضان من كل عام مرة، حتى كان العام الذي توفي فيه- صلى الله عليه وسلم - عارضه جبريل-عليه السلام- إياه بالقرآن مرتين اثنتين، ففقه وفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك الأمر قرب انتهاء مهمته في الأرض بإبلاغ الحق للخلق، وأداء رسالات الله لعباد الله، ودنو أجله.

ومما يدلل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث عبدالله بن عباس-رضي الله عنهما- قال: " كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، كان أجودُ ما يكونُ في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريلُ يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيُدارسه القرآن، فلَرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريلُ أجودُ بالخير مِن الريحِ المُرسَلة". (٢)

وما ثبت عند مسلم من حديث عائشة: " أن فاطمة رضي الله عنهما قالت: أخبرني [أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ الْآنَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنِّي لَا أُرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ) (٣)

وفي رواية البخاري: (إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِ، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: (أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، أَوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ) فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. (٤). والله تعالى قد تكفل له بفسره وبيانه، وتفصيل إجماله، وإزالة مبهمه وإشكاله، وهذا منه سبحانه بمثابة الكفالة والضمان له بتثبيته في قلبه وعدم نسيانه، وذلك بألا تتفلت كلمة أو حرف منه.

فكان القرآن شغله الشاغل - صلى الله عليه وسلم - في كل أحواله وأحيانه، قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، في حضره وسفره، في خلوته وجلوته، في ليله ونهاره، في سره وجهاره، في صحته وسقمه، في منشطه ومكرهه، في عسره ويسره، لا يغيب كلام ربه عن قلبه طرفة عين ولا أدنى من ذلك، فيحل


(١) - متفق عليه، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، واللفظ للبخاري، بدء الوحي- كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، (باب رقم: ٤) (حديث رقم: ٥)، صحيح البخاري، نشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى، ١٤٢٢ هـ. -
(٢) - رواه البخاري (٣/ ١١٧٧) (٣٠٤٨)، ومسلم ٤/ ١٨٠٣ (٢٣٠٨)
(٣) - رواه مسلم (٢٤٥٠).
(٤) - رواه البخاري (٣٦٢٤)

<<  <   >  >>