للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمقصودُ من ذلك كله: أنهم غُرِسَ في قلوبِهم حبُ القرآن، ومعرفةُ قدر كلام ربهم ومحبته؛ لأنَّهم عرفوا قدر ربهم، فعرفوا قدر كلامه، ومن جهل قدر الله تعالى جهل قدر كلامه، كما هو الشأن في حال عموم المشركين.

ولقد رَبَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه-رضي الله عنهم - على هذا المنهج الرباني،

فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا ". (١)

قال السندي رحمه الله تعالى: (ت: ١١٣٨ هـ)

" (حَزَاوِرَةٌ) جمع الحَزْوَر، ويقال له: الحزوَّر بتشديد الواو؛ هو الغلام إذا اشتد وقوي وحَزُم. كذا في الصحاح، وفي النهاية: هو الذي قارب البلوغ قوله: (فازددنا به) أي بسبب القرآن ". (٢)

وأما كيفية تعلم الإيمان قبل القرآن؛ فالمقصود به: التربية على أصول الإيمان، وتعلم معانيه، تعلمًا عمليًا من النبي-صلى الله عليه وسلم-، وأحواله، وأفعاله، وتلقيًا من سنته، وتعليمه لهم، وتأديبه إياهم بأدب الدين؛ فيتحصل لهم معرفة بمعاني القرآن، الذي يتعلمون ألفاظه بعد ذلك، وتربية على أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتأدب بأدبه الشريف، وهو كله من أدب القرآن، وخلقه؛ فيحصل لهم علم "مجمل" بمعاني القرآن، قبل أن يحصل لهم، أو لمن شاء الله منهم: العلم المفصل بتعلم حروفه وكلماته.

وقد لخّص هذا الحالَ؛ ابنُ عمر- رضي الله عنهما- لمّا قال:

" لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَإِنَّ أَحْدَثَنَا يُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- فَيَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ فِيهَا كَمَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ يَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ ". (٣)


(١) - أخرجه ابن ماجه ١/ ٧٤ رقم ٦٤ والتاريخ الكبير للبخاري ٢/ ٢٢١ وسنن البيهقي الكبرى ٢/ ٤٩ رقم ٥٤٩٨ والطبراني في المعجم الكبير ٢/ ٢٢٥ رقم ١٦٥٦ وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه ١/ ١٦ رقم ٥٢
(٢) - حاشية السندي على سنن ابن ماجه (١/ ٣١).
(٣) -رواه الحاكم في "المستدرك" (١/ ٣٥)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً "، ووافقه الذهبي، وصححه ابن منده في " الإيمان " (١٠٦)، والهيثمي في " مجمع الزوائد " (١/ ١٧٠).

<<  <   >  >>