وكذلك ما يزال الباحثون المخلصون في كل عصر ومصر ينافحون عن كتاب ربهم العظيم ويردون ما خرج من سلة مهملات الحاقدين بسهام الحق مظهرين عظمة كتاب ربهم جل في علاه ومبرزين لأوجه إعجازه وسلامته من كل عيب ونقص موضحين ومبينين دلائل حفظ الله لكتابه وأن حفظه باق إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
لما لا وقد وصفه ربنا بقوله:(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)) (فصلت: ٤٠ - ٤١)
وإن إعادة ما سطره ودونه أعلام الإسلام المتقدمين وتجديد معالمه بالتدقيق والتحقيق والشرح والتنقيب والتقريب والتسهيل والتذييل لما كتبوه والرد على أعداء الملة والدين ورد شبهاتهم المتجددة بساطعات الحجج والبراهين لهو من أوجب الواجبات المتحتمات على المعنيين من أهل العلم ومن الباحثين والدارسين المختصين.
وإن كتاب الله تعالى قد لقى أوفر الحظ والنصيب من العناية والرعاية والاهتمام منذ بدء نزوله من قِبِلِ من أنزل اللهُ عليه القرآنَ-صلى الله عليه وسلم- ومن قِبِلِ صحبه الكرام- رضوان الله عليهم أجمعين-، وكان هذا الاهتمام البالغ قد عم كل جوانبه ونواحيه، فقاموا بحفظه في الصدور وتدوينه في السطور والقيام بحقه تعلمًا وتعليمًا وعملًا، كما أنهم ائتمروا بأوامره وانتهوا عن نواهيه وانزجروا بزواجره واعتبروا بقصصه وأخباره فازدادوا به إيمانًا ويقينًا كما قال ربنا:{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِىَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}(المدثر: ٣١).
"وهذا حال القلوب عند ورود الحق المنَزَّل عليها: قلب يفتتن به كفرًا وجحودًا، وقلب يزداد به إيمانًا وتصديقًا، وقلب يَتَيَقَّنه فتقوم عليه به الحجة، وقلب يوجب له حيرةً وعمىً فلا يدري ما يراد به". (١).
(١) - بدائع التفسير لما فسره الإمام ابن القيم: (٣/ ٢١٦).