للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول - صلى الله عليه وسلم- يذكي فيهم روح هذه العناية بالتنزيل يبلغهم ما أنزل إليه من ربه. ويبعث إلى من كان بعيد الدار منهم من يعلمهم ويقرئهم كما بعث مصعب بن عمير وابن ام مكتوم -رضي الله عنهما- إلى أهل المدينة قبل هجرته يعلمانهم الإسلام ويقرئانهم القرآن وكما أرسل معاذ بن جبل- رضي الله عنه- إلى مكة بعد هجرته للتحفيظ والإقراء.

قال عبادة بن الصامت- رضي الله عنه-:

كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل منا يعلمه القرآن وكان يسمع لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضجة بتلاوة القرآن حتى أمرهم رسول الله أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا. " (١)

و الصحابة- رضي الله عنهم- في هذا العهد المبارك كان يعتمدون أكثر على حفظهم له في صدورهم أولًا كما أسلفنا، وقد وصف الله حالهم مع القرآن فقال سبحانه: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (العنكبوت. ٤٩).

" أي: هذا القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق، أمرًا ونهيًا وخبرًا، يحفظه العلماء، يَسَّره الله عليهم حفظًا وتلاوةً وتفسيرًا ". (٢)

ولاشك أن الصحابة - رضي الله عنهم- في طليعة علماء هذه الأمة، وهم أمة أمية والكتابة فيهم قليلة ونادرة وكان اعتمادهم على الحفظ أكثر من اعتمادهم على الكتابة، كما وصفهم ربهم بذلك في محكم آياته بقوله: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) (الجمعة: ٢).

و"إنما سميت أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - الأميين، لأنه لم ينزل عليهم كتابًا; وقال جل ثناؤه:

(رسولًا منهم) يعني من الأميين وإنما قال: منهم لأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم - كان أميًا، وظهر من العرب ". (٣)

" ومن شأن الأمي أن يعول على حافظته فيما يهمه أمره ويعنيه استحضاره وجمعه. خصوصًا إذا أوتي من قوة الحفظ والاستظهار ما ييسر له هذا الجمع والاستحضار. وكذلك كانت الأمة العربية على عهد نزول القرآن وهي متمتعة بخصائص العروبة الكاملة التي منها سرعة الحفظ وسيلان الأذهان حتى كانت قلوبهم أناجيلهم، وعقولهم سجلات أنسابهم وأيامهم، وحوافظهم دواوين


(١) - مناهل العرفان: (١/ ٢٤١). بتصرف يسير.
(٢) - تفسير ابن كثير: (٦/ ٢٨٦).
(٣) - تفسير الطبري: (٢٣/ ٢٧٣).

<<  <   >  >>