للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: لترقبه- صلى الله عليه وسلم - تتابع نزول الوحي والذي قد يرد فيه من النسخ ما يرد، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بصدد أن ينزل عليه الوحي بنسخ ما شاء الله تعالى نسخه من الآيات، سواء كان هذا النسخ، نسخ حكم، أم نسخ تلاوة.

ثالثًا: وكذلك خشيته - صلى الله عليه وسلم - من اختلاط القرآن بغيره ولا سيما في بادئ الأمر. (١)

رابعًا: أجاب البعض كذلك بأن خشية تحريف القرآن كانت مأمونة لأن جمهرة غير قليلة من الصحابة - رضي الله عنهم- كانوا يحفظون القرآن وهم خير هذه الأمة، والفتنة في ذلك مأمونة.

خامسًا: إضافة لما سبق ذكره فإن أدوات الكتابة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- كانت قليلة جدًا ونادرة، وإن عدم توافرها بكثرة قد يكون من أهم الدواعي والأسباب المؤدية لعدم جمعه في مكان واحد كذلك.

سادسًا: من المعلوم أن ترتيب آي القرآن وسوره كان مرتبًا بحسب تناسب الآي وترابطها ترتيبًا موضوعيًا وسببيًا، ولم يكن مرتبًا على حسب ترتيب النزول، فقد يكون نزول الآية أو السورة متقدمًا نزولًا ومتأخرًا ترتيبًا وعلى العكس من ذلك أيضًا، ونسوق لذلك مثالًا يتضح به المقال ألا

وهو: آية الاعتداد بأربعة أشهر وعشر وهي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ


(١) - أما ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ". رواه مسلم (٣٠٠٤).
قال الحافظ في الفتح:
فإنه وإن كان في بداية الأمر؛ خشية أن يختلط الحديث بالقرآن الكريم، إلا أن بعض المحدثين: كالبخاري وغيره قد أعل الحديث بالوقف على أبي سعيد الخدري". يُنظر: فتح الباري: (١/ ٢٠٨).
وأهل العلم يرون أن كتابة حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قد مرت بمرحلتين:
الأولى: النهي عن كتابة الحديث، وكان ذلك في بداية الأمر؛ مخافة اختلاط القرآن الكريم بغيره. يُنظر: معالم السنن (٤/ ١٨٤)، وفتح الباري (١/ ٢٠٨).
الثانية: الإذن بكتابة الحديث، وذلك بعد أن استقرت الدعوة، وأمن النبي- صلى الله عليه وسلم - من الالتباس بالقرآن الكريم، فالنهي عن الكتابة متقدم، وآخر الأمرين الإباحة. يُنظر: معالم السنن (٤/ ١٨٤).
يقول ابنُ القيم - موضحًا هذا الأمر -:
" قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الكتابة والإذنُ فيها، والإذنُ متأخرٌ، فيكون ناسخًا لحديث النهي". تهذيب مختصر سنن أبي داود (٥/ ٢٤٥).

<<  <   >  >>