للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر الباقلاني (ت: ٤٠٢ هـ) -رحمه الله- وجوهًا في فعل أبي بكر من أجودها خمسة:

الأول: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ترك ذلك مصلحة، وفعله أبو بكر للحاجة.

الثاني: أن الله أخبر أنه في الصحف الأولى، وأنه عند محمد -صلى الله عليه وسلم- في مثلها بقوله: (يتلوا صحفًا مطهرة فيها كتب قيمة) (البينة: ٢ - ٣)؛ فهذا اقتداء بالله وبرسوله.

الثالث: أنهم قصدوا بذلك تحقيق قول الله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر: ٩)؛ فقد كان عنده محفوظًا، وأخبرنا أن يحفظه بعد نزوله، ومن حِفظِه تيسير الصحابة- رضي الله عنهم- لجمعه-، واتفاقهم على تقييده وضبطه.

الرابع: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- كان يكتُبه كَتَبَتُهُ بإملائه إياه عليهم، وهل يخفى على متصور معنى صحيحًا في قلبه أن ذلك كان تنبيهًا على كتبه وضبطه بالتقييد في الصحف، ولو كان ما ضمنه الله من حفظه لا عمل للأمة فيه لم يكتبه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بعد إخبار الله له بضمان حفظه، ولكن علم أن حفظه من الله بحفظنا وتيسيره ذلك لنا وتعليمه لكتابته وضبطه في الصحف بيننا.

الخامس: أنه ثبت: " أن النبي-صلى الله عليه وسلم- نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو " (١)؛ وهذا تنبيه على أنه بين الأمة مكتوب مستصحب في الأسفار.

قال أبو بكر بن العربي (ت: ٥٤٣ هـ) -رحمه الله-: في أحكام القرآن هذا من أبين الوجوه عند النظار". (٢)

وقال الباقلاني (ت: ٤٠٢ هـ) -رحمه الله- أيضًا:

وقد فهم عمر أن ترك النبي-صلى الله عليه وسلم- جمعه لا دلالة فيه على المنع، ورجع أبو بكر لما رأى وجه الإصابة في ذلك … (٣)

كلام الباقلاني آنفًا كلام نفيس فيه من الدلائل الواضحات والحجج البينات الدامغات ما يرد به كل الشبهات الواردات. والحمد لله رب الأرض والسموات.

وقال الشاطبي (ت ٧٩٠ هـ) -رحمه الله- في الموافقات:

وحاصل الأمر أن جمع المصحف كان مسكوتًا عنه في زمانه- صلى الله عليه وسلم -. (٤)


(١) رواه البخاري: (٢٩٩٠)، ومسلم: (١٨٦٩)، من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما.
(٢) - يُنظر: أحكام القرآن: (٢/ ٦١٢).
(٣) - فتح الباري: (٨/ ٦٢٩).
(٤) الموافقات: (٣/ ٤١).

<<  <   >  >>