للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان، وقد أعانه على الرد المفحم والجواب المحكم امتلاكه لزمام البيان المشرق الرصين، واقتداره على النقد العلمي المتين.

ويذكر ابن قتيبة (ت: ٢٦٧ هـ) الباعث على تأليف هذا الكتاب في مقدمته فيقول:

" قد اعترض كتاب الله بالطعن ملحدون، ولغوا فيه وهجروا، واتبعوا ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ بأفهام كليلة، وأبصار عليلة، ونظر مدخول، فحرّفوا الكلام عن مواضعه، وعدلوه عن سبله، ثم قضوا عليه بالتناقض، والاستحالة في اللحن، وفساد النظم، والاختلاف، وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضعيف الغمر، والحدث الغر، واعترضت بالشبه في القلوب، وقدحت بالشكوك في الصدور … فأحببت أن أنضح عن كتاب الله، وأرمي من ورائه بالحجج النيرة، والبراهين البينة، وأكشف للناس ما يلبسون، فألّفت هذا الكتاب جامعًا لتأويل مشكل القرآن، مستنبطًا ذلك من التفسير بزيادة في الشرح والإيضاح، وحاملًا ما أعلم فيه مقالًا لإمام مطلع على

لغات العرب، لأري المعاند موضع المجاز، وطريق الإمكان، من غير أن أحكم فيه برأي، أو أقضي عليه بتأويل، ولم يجز لي أن أنص بالإسناد إلى من له أصل التفسير، إذ كنت لم أقتصر على وحي القوم حتى كشفته. وعلى إيمائهم حتى أوضحته، وزدت في الألفاظ ونقصت، وقدّمت وأخّرت، وضربت لذلك الأمثال والأشكال، حتى يستوي في فهمه السامعون" (١)

ثم إن ابن قتيبة قد استعرض في كتابه الآيات التي أورد الطاعنون عليها إشكالاتهم في مواضعها من سورها من القرآن، غير مراع للترتيب المصحفي، بل إنه يذكر ما يريد الكلام عليه من الآيات التي ورد عليها الإشكالات، ثم ينتقل إلى غيرها، وقد يعود للسورة السابقة بعد انتقاله لغيرها إن احتاج المقام الداعي إلى ذلك.

وهنا يرد سؤال هل يُعد كتاب ابن قتيبة كتاب تفسير خالص؟ أم أنه كتاب ورد في جانب من الجوانب ألا وهو الرد على افتراءات ومطاعن وشبهات في جانب معين ألا وهو جانب ما ظاهره الإشكال في القرآن، وابن قتيبة قد ذهب في سورة ويرجع إليها كذلك.

وهل يُقال بعد ذلك أنه كتاب تفسير محض؟ أم إن موضوعه كموضوع كتاب "دفع إيهام الاضطراب عن الكتاب" للشنقيطي، والذي قد جمع فيه ما تيسر من أوجه الجمع بين الآيات التي يُظَنُّ بها التعارض في القرآن الكريم، مُرتِّبًا لها على حسب الترتيبي المصحفي، لا النزولي، ولا


(١) ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن المؤلف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: ٢٧٦ هـ) المحقق: إبراهيم شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، (المقدمة: ص: ٤). ويُنظر: نظرة حول كتاب " تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة، مقال لـ" عبد العظيم أنفلوس " عن موقع أهل التفسير، بتاريخ: ١٨/ ٣/ ١٤٣٨ هـ

<<  <   >  >>