للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأهمية بمكان أن يُخْتَمَ الكلامُ هنا على عقيدة " دروزة " في صفات الرب- جل في علاه- في ضوء تفسيره.

ونسوق لذلك مثاليين واضحين من تفسيره:

المثال الأول: تأويله لصفة اليد الثابتة لله تعالى على الحقيقة على وجه يليق بذاته العلية تأويلًا واضحًا جليًا عند تفسيره لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح: ١٠).

وقد عزا للزمخشري المعتزلي في الكشاف قوله:

ولقد كان تعبير (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) موضوع أقوال تتصل بعلم الكلام وصفة الله من حيث نسبة الجوارح إلى الله تعالى. (١)

ثم يقول - عفى الله عنه-:

ولسنا نرى التعبير والسياق يتحملان ذلك، فقد قصد به كما هو المتبادر شدة التوكيد على خطورة العهد والبيعة وكون الله شاهد عليها استهدافًا لقوة التلقين الذي أريد بثه في نفوس المسلمين.

ثم عقب ذلك بنقل عدة تأويلات لصفة اليد عن بعض أهل التأويل من المفسرين، ثم قال بعدها مؤيدًا لتلك التأويلات:

وفي هذه التأويلات سداد وتفيد أن الجملة حملت على المجاز.

ثم يختم كلامه هنا-عفى الله عنه- بتقرير عقيدته في صفات الرب- جل في علاه- قائلًا:

ولقد نبهنا في مناسبات سابقة على ما ينطوي من تعبيرات: يد الله، وجه الله، سمع الله، وما ينبغي أن يفهم من التقريرات القرآنية وسنة السلف الصالح، وقد عزا ذلك لتفسير سورة القصص. (٢)

يقول سماحة شيخنا الإمام ابن باز (ت: ١٤٢٠ هـ) -رحمه الله-:

هذه الآية عند أهل السنة والجماعة تدل على أمرين:

الأمر الأول: إثبات اليد لله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه موصوفٌ باليد، كما قال جلَّ وعلا: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) (ص: ٧٥)، وقال سبحانه: (بَلْ يَدَاهُ


(١) لم يقف الباحث على هذا القول عند الزمخشري المعتزلي كما عزاه " دروزة".
وإنما وجد عند الزمخشري قوله: لما قال إنما يبايعون الله أكده تأكيدًا على طريق التخييل فقال:
(يد الله فوق أيديهم) يريد أن يد رسول الله التي تعلو أيدي المبايعين: هي يد الله، والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام، وإنما المعنى: تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما، كقوله تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (النساء: ٨٠). يُنظر: تفسير الزمخشري: (١٠/ ٥١٢).
وكلام الزمخشري المعتزلي كذلك كله تأويل باطل يتنافى مع معتقد أهل السنة في صفات الرب جل في علاه.
(٢) - يُنظر: التفسير الحديث لـ " دروزة": (١/ ٥٩١).

<<  <   >  >>