للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من بداية السور الطوال، وذلك لاشتراكهم جميعًا مع الصغار في العلة والسبب على حد سواء، ووجه الجواز في ذلك قراءة النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا على غير الترتيب المصحفي مما يدلل على عدم وجوب ذلك تلاوة من- جهة-، كما يدلل على جوازه عند الحاجة التي يتعثر معها

الحفظ كالتي ذكرنا وما في نحوها كذلك من - جهة ثانية-، ولأن تلاوة كل فرد غير مثبتة في مصحف خاص لديه، بل إن كل منهم يتلو ويحفظ من مصحف واحد في ترتيبه المصحفي الذي أجمعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا وجرى قبوله إجماعًا والعمل عليه ماض في الأمة عبر كل أجيالها، فتغير الترتيب المصحفي سالم ومأمون. والله أعلم.

ومما يدلل على ذلك ما ثبت عند مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ذاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَح البقَرَةَ، فقلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فقلتُ: يُصَلَّي بِهَا في ركْعَةٍ، فمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَح النِّسَاءَ فَقَرأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَها، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذا مَرَّ بِآيَةِ فِيها تَسْبيحٌ سَبَّحَ، وَإِذا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ بتَعوَّذ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ … الحديث. (١)

وفي نحو ذلك يقول النووي (ت: ٦٧٦ هـ) -رحمه الله- في التبيان:

"قال العلماء رحمهم الله: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف، فيقرأ الفاتحة، ثم البقرة ثم آل عمران، ثم النساء إلى أن يختم بـ (قُلْ أَعوذ بربِ النَّاس) سواء قرأ في الصلاة أم خارجًا عنها، ويستحب أيضًا إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها السورة التي تليها، ولو قرأ في الركعة الأولى: (قُلْ أَعوذ بربِ النَّاس) يقرأ في الثانية من البقرة

ودليل هذا: أن ترتيب المصحف لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه كصلاة الصبح يوم الجمعة، يقرأ في الركعة الأولى: (ألم تَنزيل) وفي الثانية: (هَلْ أتَى) وصلاة العيدين (قاف) و (اقتربت).

ولو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ التي قبلها، أو خالف الموالاة فقرأ قبلها ما لا يليها جاز وكان تاركًا للأفضل، وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفقٌ على منعه وذمِّه؛ فإنه يُذهب بعض أنواع الإعجاز، ويزيل حِكمة الترتيب ". (٢)

وكما كان-صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الجمعة أحيانًا بـ الجمعة في "الأولى" والغاشية في "الثانية".


(١) - رواه مسلم: (١٧/ ١١٧٦).
(٢) يُنظر: التحبير في علم التفسير: للسيوطي: (ص: ٦٣٧).

<<  <   >  >>