للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقرر ذلك العلامة اللغوي ابن فارس (ت: ٣٩٥ هـ) - رحمه الله - ويجلي ويظهر معرفة الصحابة وتمكنهم من اللغة فيقول:

"ومن الدليل على عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم بالعربية: كتابتهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو والياء، والهمز، والمد والقصر، فكتبوا ذوات بالياء، وذوات الواو بالواو، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنًا في مثل "الخبء" و"الدفء". و"الملء" فصار ذلك كله حجة، وحتى كره من العلماء ترك اتباع المصحف من كره.

فحدثني عبد الرحمن بن حمدان عن محمد بن الجهم السمري عن الفراء قال: اتباع المصحف -إذا وجدت له وجهًا من كلام العرب- وقراءة القرآن أحب إلي من خلافه". (١)

وهذا الخبر المنسوب لعثمان لا يصحّ عنه أبدًا، وهو خبر معلول الإسناد منكر المتن، وقد ردَّه وأنكره جمع من أهل العلم إنكاراً شديدًا، وطعنوا في إسناده، وممن ردَّه وأنكره كل من: أبو بكر بن الأنباري: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن (ت: ٣٢٨ هـ)، وأبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: ٤٤٤ هـ)، ومكيّ بن أبي طالب القيسي القيرواني (ت: ٤٣٧ هـ)، وشيخ الإسلام

ابن تَيميّة: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحرّاني الدمشقي (ت: ٧٢٨ هـ)، ومحمد الطَّاهر بن عاشور التونسي (ت: ١٣٩٣ هـ)، وشهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي- (ت: ١٢٧٠ هـ) -في تفسيره.

يقول الألوسي- (ت: ١٢٧٠ هـ) - رحمه الله - عن هذا الأثر في تفسيره:

وأما ما روي أنه لما فرغ من المصحف أتي به إلى عثمان فقال: قد أحسنتم وأجملتم، أرى شيئًا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها، ولو كان المملي من هذيل والكاتب من قريش لم يوجد فيه هذا،

فقد قال السخاوي: (ت: ٩٠٢ هـ) - رحمه الله -:

إنه ضعيف، والإسناد فيه اضطراب وانقطاع فإن عثمان جعل للناس إمامًا يقتدون به (٢)، فكيف يرى فيه لحنًا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها، وقد كتب عدة مصاحف وليس فيها اختلاف أصلًا إلا فيما هو من وجوه القراءات، وإذا لم يقمه هو ومن باشر الجمع وهم هم (٣) كيف يقيمه غيرهم؟

وقال ابن الأنباري (ت: ٣٢٨ هـ) - رحمه الله -، في كتابه: الرد على من خالف مصحف عثمان:

الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك لا تقوم بها حجة، لأنها منقطعة غير متصلة، وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته وقدوتهم يجمعهم على المصحف الذي هو


(١) - الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها ص ١٨ ط. دار الكتب العلمية.
(٢) - يعني بذلك المصحف الإمام
(٣) - يعني في المكانة والفضل والديانة والتحري للحق ولزومه والعمل به والحرص عليه. الباحث.

<<  <   >  >>