ثالثًا: الإعجاز اللفظي لكلمات القرآن وجزالة أسلوبه واضح وجلى في كل سوره وآياته، ومن تأمل الدُعَاءَيْنِ ونظمهما وجدهما قاصرين عن نظم القرآن، ويعلم ذلك أهل البلاغة والبيان.
رابعًا: إن إثبات أُبَيٍّ للدُعَاءَيْنِ في مصحفه لا يدل على أنهما قرآنٌ منَزَّل، لأن الصحابة- رضي الله عنهم- كانوا يثبتون في مصاحفهم ما يحتاجون إليه من إيضاح مبهم، أو بيان غامض، وما يحتاجون إليه من معاني التفسير على مصاحفهم الخاصة كذلك، معتمدين على عدم وقوع إشكال لديهم في أن ما أثبتوه ليس بقرآن.
خامسًا: أم دعوى النسخ فقد يُقال بها حين اعتبار ثبوت ما نُسِب لأُبَيٍّ بن كعب أنه عدَّ دعاءي "الحفد والخلع" سورتين من القرآن.
سادسًا: إن مما يؤيد ويؤكد نفي قرآنية الدُعَاءَيْنِ كذلك عدم إثباتهم في الصحف البكرية، ولا في الصحف العثمانية التي أجمع عليها الصحابة- رضي الله عنهم- ووافقة العرضة الأخيرة، الموافقة لما هو مثبت في اللوح المحفوظ.
سابعًا: إن مما يؤيد ويؤكد نفي قرآنية الدُعَاءَيْنِ رجوع أُبَيٍّ إلى حرف الجماعة،
وقد ثبت أن مصحفه كان مساويًا لمصحف الجماعة.
ثامنًا: أضف إلى ذلك أن الأعمش أحد رواة هذا الأثر مدلس كما سيأتي بيان ذلك بالتفصيل عند الكلام على الشبهة الثامنة والأخيرة بإذن الله تعالى.
تاسعًا: قول ابن سيرين: " … وتركهن ابن مسعودٍ"
فابن سيرين لم يدرك ابن مسعود ولم يسمع منه (١)، فهو أثر مرسل، وفيه انقطاع، وذلك لأن ابن سرين لم يدرك ابن مسعود، وسيأتي بيان ذلك بشيء من الإيضاح والبيان عند الكلام على الشبهة الثامنة والأخيرة بإذن الله تعالى.
يقول الزرقاني (ت: ١٣٦٧ هـ) - رحمه الله -:
" قال صاحب " الانتصار " ما نصه: " إن كلام القنوت المروي أن " أبيّ بن كعب " أثبته في مصحفه: لم تقم الحجة بأنه قرآن منزَّل، بل هو ضرب من الدعاء، وأنه لو كان قرآنًا لنُقل إلينا نقل القرآن وحصل العلم بصحته ".
ثم يتابع- رحمه الله - ويقول:
" ويمكن أن يكون منه كلام كان قرآنًا منزلاً ثم نسخ، وأبيح الدعاء به وخلط بما ليس بقرآن.
(١) يُنظر: سنن الدارمي: (١ (١٩٢٤)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: (٤/ ٣٥٢)، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار: (٢/ ٣٦)، الغرر البهية في شرح منظومة البهجة الوردية (٦/ ٣٧)، فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي: (١/ ١٥٥)، مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث: (ص: ٨٦).