للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول ابنِ المُنْكَدِرِ-هنا- يظهر جليًا فيه شدة الإنكار من جهة، وبيان حكم إنكارهما من جهة أخرى.

القول الرابع: قول أبي بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر القاضي الباقلاني (ت: ٤٠٢ هـ)

وقد أحسن الباقلاني (ت: ٤٠٣ هـ) -رحمه الله-: في تقريره، حيث يقول:

ولو كان قد أنكر السورتين على ما ادعوا، لكانت الصحابة تناظره على ذلك، وكان يظهر وينتشر، فقد تناظروا في أقل من هذا، وهذا أمر يوجب التكفير والتضليل، فكيف يجوز أن يقع التخفيف فيه؟! وقد علمنا إجماعهم على ما جمعوه في المصحف، فكيف يقدح بمثل هذه الحكايات الشاذة المولدة في الإجماع المقرر، والاتفاق المعروف.!. (١)

وتوجهيه الباقلاني (ت: ٤٠٣ هـ) -هنا- من أحسن ما قيل في ذلك، وقد تضمن كلامه ما يلي:

١ - الإجماع السكوتي من الصحابة - رضي الله عنهم- على سلامة القرآن وكماله وعدم نقصانه، إذ لو أنكر ابن مسعود- رضي الله عنه- المعوذتين - وحاشاه- لتصدوا لمناظرته، ولمَّا لم يكن ذلك، دل هذا على كماله وتمامه.

٢ - أن إنكار المعوذتين أمر يوجب التكفير والتضليل، وإن الصحابة عمومًا بمنأى عنه، فكيف بعلمائهم وفضلائهم وسابقيهم كابن مسعود- رضي الله عنه-.

٣ - أن الشبهات والمطاعن في خلو مصحف ابن مسعود- رضي الله عنه- من المعوذتين، إنما هي أقول شاذة مخالفة لإجماع الصحابة - رضي الله عنهم-.

القول الخامس: قول أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حَزْمٍ الأندلسي (ت: ٤٥٦ هـ)

وقد أنكر اَبْنُ حَزْمٍ -رحمه الله-: ما نسب لابن مسعود بقوله:

كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: مِنْ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَأُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ تَكُنْ فِي مُصْحَفِهِ؛ فَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ؛ وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِيهَا أُمُّ الْقُرْآنِ، وَالْمُعَوِّذَتَانِ. (٢)

واَبْنُ حَزْمٍ -رحمه الله- تابع قَولُهُ ووافق أقوالَ من سبقه من العلماء المنصفين.

القول السادس: ما نقل عن أبي نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن الصباغ الشافعي: (ت: ٤٧٧ هـ) (٣) بعد كلامه عن مانعي الزكاة:


(١) - إعجاز القرآن للباقلاني: (ص: ١٨٣ - ١٨٤).
(٢) يُنظر: المحلى لابن حزم: (١/ ١٣).
(٣) - ابن الصباغ الشافعي هو: عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر أبن الصباغ البغدادي، أبو نصر، ابن الصباغ فقيه شافعي.
مولده ووفاته في بغداد سنة (٤٠٠ هـ‍ - ٤٧٧ هـ‍/ ١٠١٠ م - ١٠٨٤ م). ولى التدريس بالمدرسة النظامية أول ما فتحت. وعمي في آخر عمره. قال ابن خلكان: كان فقيه العراقيين في وقته.
يُنظر: عبد مخلف جواد الفهداوي، فقه الإمام أبي نصر ابن الصبَّاغ الشافعي في الطهارة، دراسة فقهية مقارنة من خلال كتاب "حلية العلماء".، مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإسلامية جامعة الأنبار: (ص: ١٦٩).

<<  <   >  >>