للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعترض على لجنة الجمع أصلًا، وإنما قال كيف أمنع وزيد يلعب مع غلمان المدينة، ولنا أن نتأمل قوله:

"فو الّذي نفسي بيده، لقد أخذت من فِيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة وزيد بن ثابت عند ذلك يلعب مع الغلمان". (١)

وابن مسعود- رضي الله عنه- لم يشك في الجمع ولا في لجنة الجمع بقيادة زيد بن ثابت ولا في أهلية أحد منهم، ولا في الصحف العثمانية، وكل في ما في الأمر أنه يرى أهليته لذلك، ولم يطعن في

أهلية زيد وقدره ومكانته، وقد أمضى الخليفتان أهليته لذلك وقَرَّرَاها، واعتراضه- رضي الله عنه-لا ينافي عدم أهلية زيد لهذه المهمة، ولاشك في إصابة اختيار الخليفتين لزيد، وقد علما مؤهلاته وقدراته التي أهلته لتلك المهمة، لكنه رأى في نفسه كمال وتمام الأهلية لذلك، ولم يكن اعتراضه على الجمع نفسه وعلى طريقته ولا على لجنة الجمع، وإنما كان على عدم إشراكه وقيامه به مع أهليته، فقد تحققت فيه مقومات تؤهله لهذه المهمة والتي من أجلها تّزكية النبي صلى الله عليه وسلم له، وشهوده العرضة الأخيرة، وقد ثبت بما لا يدع مجال للشك رجوعه- رضي الله عنه- لرأي الجماعة ولزومها ومما يؤيد ذلك ويؤكده ويوضحه أنه ما لبث أن فاء ورجع لإجماع الصحابة- رضي الله عنهم- على فعل عثمان في تحريق المصاحف وجمعهم على المصحف الإمام، وقدم مصحفه للحرق وذلك لما علم أنه الحق، وأما الذي ثبت عنه رضي الله عنه: أنه تمسك بقراءته لا غير، وقراءة عاصم بن أبي النَّجود المنقولة عنه بالتواتر من طريق أصحابه من أهل الكوفة خير شاهد لرجوعه ولزومه أمر الجماعة.

وفي ذلك يقول ابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ) -رحمه الله-:

"روي عن عبدالله بن مسعود أنه غضب لما أخذ منه مصحفه فحرق، وتكلَّم في تقدُّم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف، فكتب إليه عثمان بن عفان رضي الله عنه يدعوه إلى اتِّباع

الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك، وجمع الكلمة، وعدم الاختلاف، فأناب عبدالله بن مسعود، وأجاب إلى المتابعة، وترك المخالفة-رضي الله عنهم أجمعين-". (٢)

كل هذا الترهات الباردة سبق بيانها والرد عليه في مبحث الشبهات الواردة حول الجمع العثماني ودحضها بما لا يدع مجال للشك، وبما يرد كيد الرافضة الطاعنين في كتاب رب العالمين ومن سار على نهجهم من سائر أعداء الملة والدين، والحمد لله رب العالمين. (٣)


(١) - سبق الحديث بطوله مع تخريجه في جواب الشبهة السابعة الواردة على المصاحف العثمانية و وردها.
(٢) - البداية والنهاية؛ لابن كثير: (٧/ ٢٢٨). بتصرف يسير.
(٣) - وهذا المبحث هو: المطلب الرابع من المبحث الثاني في الفصل الثالث

<<  <   >  >>