للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التحدي بعشر سور، ثم ذكر آية سورة البقرة التي جاء فيها التحدي بسورة واحدة، وهو المستوى

الثالث (١)، ولعل الذي دفع إلى هذا هو حساسية التعرض للتداخل في ترتيب النزول بين آيات التحدي، ولكن الحقيقة أن هذه رؤية عقل بشري قد تخطئ وقد تصيب، فلعل فكرة الترتيب التنازلي قد راقت لهم، ثم لعلها قادتهم إلى التغاضي عن الاستقصاء أو إلى التغاضي عن الإشارة إلى التداخل بين هذه المستويات.

وهذا الأمر نفسه جعل بعض المعترضين المتشككين يتغاضون ـ بدورهم ـ عن الاستقصاء في استقراء ترتيب النزول للسور التي جاءت فيها آيات التحدي، فانطلقوا بالمنحى الانتقائي المضاد للمنحى الانتقائي الأول، واكتفوا بذكر بعض آيات محاولين إثبات أن الترتيب جاء تصاعديًا وليس تنازليًا، أي بدأ بالتحدي بسورة ثم بعشر سور ثم بالقرآن كله، بل اختلقوا ترتيبًا ظنيًا لا نبرؤه من العَمْد، نتبين ذلك بالوقوف عند نموذج من العرض لبعض أصحاب هذا الاتجاه المضاد لآيات التحدي جاء فيه: أن آية سور الطور {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} (الطور: ٣٤) هي أول ما نزل من آيات التحدي، ثم رأى فيها إمكان أن يأتوا بحديث مثله مستندًا إلى أن إطلاق الحديث يترتب عليه إمكان أن يأتوا به؛ لأنه يتحقق في الآية والآيتين، ثم يخلص إلى أن " تحديهم بأن يأتوا بحديث مثله غير صحيح ولا مأمون فيه سوء العاقبة، فلذا عدل عنه محمد-صلى الله عليه وسلم- متدرجًا في التحدي إلى ما هو أعلى من ذلك، فجاء بالآية الثانية (فَأْتُوا

بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (يونس: ٣٨)، ولم يقف عند هذا الحد حتى جعلها عشر سور، ثم ارتقى إلى ما يقتضيه التحدي الصحيح الذي يتعذر أو يستحيل عادة أن يجيبه إليه أحد، وهو تحديهم بأن يأتوا بمثل القرآن من دون قيد بحديث أو سورة كما قال في الآية الأخرى (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ) (الإسراء: ٨٨)، وهذا هو التحدي الذي ترجع فيه المعارضة خائبة خاسرة بلا شك ولا ريب، ولذا نراه يتكلم بجراءة واطمئنان واثقًا بعجزهم عما يريد منهم، حتى أنه لم يتحد الإنس وحدهم بل جعل الجن لهم معاونين تهويلاً عليهم وتأكيدًا لعجزهم ". (٢)

والغريب أن المتحدث هنا لم يهتم بالبحث في ترتيب النزول، ولا اهتم بالرجوع إلى المراجع التي تعرضت له، على الرغم من رجوعه إلى بعض هذه المراجع في كتابه المذكور ومنها كتاب الإتقان للسيوطي، والبرهان للزركشي، ثم إن الغريب الغريب أيضًا أن العرض الذي عمد إلى ذكر ثلاث آيات فقط، وهي آيات


(١) - د. حلمي محمد القاعود: مدخل إلى البلاغة القرآنية، ط ١ دار النشر الدولي، الرياض ١٤٢٨ هـ ٢٠٠٧ م ص ١٦٧
(٢) - معروف الرصافي (١٣٦٥ هـ): الشخصية المحمدية، أو حل اللغز المقدس، ط ١ منشورات الجمل، ألمانيا ٢٠٠٢ م: (ص: ٦٠٧ - ٦٠٨).

<<  <   >  >>