للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخوف العبدَ شاهرًا في وجهه سلاح الرياء، ليحمله على ترك العمل الصالح، فالمؤمن يقرأ ويحسن قراءته مبتغيًا بذلك وجه الله تعالى متوكلًا عليه، قائلًا لنفسه "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله عنهما" (١)، وما من أحد عمل عملاً إلا سار في قلبه سَوْرَتان (٢)، فإذا كانت الأولى منهما لله فلا تَهيدَنَّه الآخرة. (٣).

قال ابن الأثير (ت: ٦٠٦ هـ) - رحمه الله -:

المعنى: إذا أراد فعلًا وصحت نيته فيه فوسوس له الشيطان فقال: إنك تريد بهذا الرياء، فلا يمنعه ذلك عن فعله. (٤)

فالإخلاص أن لا يكون للناس أي حظ من العبادة، ولا يترك المتعبد شيئًا منها لأجلهم. (٥)، ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لا نسد عليه أكثر أبواب الخير، وضيع على نفسه شيئًا عظيمًا من مهمات الدين، وليس هذا طريق العارفين. فليقبل العبد على ربه وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، كما قال ربنا العظيم: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (النحل: ٩٨ - ١٠١).

إذًا فلا بد من استحضار النيَّة عند تلاوة القرآن، ولتكن تلاوته استجابةً لأمره سبحانه

القائل في كتابه الكريم: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (النمل: ٩١ - ٩٢).


(١) - رواه البيهقي في شعب الإيمان (٦٨٧٩) أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت علي بن بندار، يقول: سمعت عبد الله بن محمود، يقول: سمعت محمد بن عبد ربه، يقول: سمعت الفضيل، يقول: فذكره، وإسناده ضعيف.
(٢) - قال ابن الأثير في النهاية (٢/ ٤٢٠) سورة أي ثورة من حدة. ومنه يقال للمعربد سوار.
(٣) - رواه أبو عبيد، في غريب الحديث (٤/ ٤٥١) قال: سمعت ابن عدي يحدث، عن عوف، عن الحسن البصري، قال: فذكره، وإسناده صحيح.
(٤) النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ٢٨٦).
(٥) - يُنظر: شرح عمدة الأحكام لابن العطار (٣/ ١٧١٩).

<<  <   >  >>