للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن كلامُ الله، أنزلَه على قلبِ رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؛ ليقرأَه على الناس على مُكْثٍ؛ كما قال ربنا: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} (الإسراء: ١٠٦)، و قال له ربه: (وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا) (المزمل ٤)

قال القرطبي (ت: ٦٧١ هـ) -رحمه الله- في تفسيره:

والترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام، ومنه ثغر رتل ورتل، بكسر العين وفتحها: إذا كان حسن التنضيد. (١)

وحينما يُتلى القرآن تصغى له آذان المؤمنين، فَتَنْقَاد له قلوبهم وتخشع، وتهتدي لأوامره نفوسهم وتخضع، ولا سيما إن كانت تلاوته من صوت حسن يرتل آياته ويخشع.

ولقد دلت نصوص السنة على الترغيب في تَحسين الصوت بقراءة القرآن الكريم، فمن حَسَّنَ صوته بالقرآن من غير تكلف ولا تعسف امتثالًا لأمر الشرع المطهر فنِعِمَّا فعَل، وقد اقتدى

وامتثل، فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به". (٢).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٥ هـ) - رحمه الله -:

وتفسيره-التغني-عند الأكثرين كالشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما هو تحسين الصوت به. (٣)

فالمقصود بالتغني إذًا هو تحسين الصوت بالقرآن. والتغني بالقرآن يكون بالجهر بتلاوته مع تحسين الصوت به والخشوع فيه؛ ليحرك به القلوب؛ لأن من مقاصد قراءة القرآن تحريك القلوب به لتتأثر وتخشع وتخضع لباريها؛ فتنتفع بالقرآن وبهداياته.

ومعنى قوله: "ما أذن الله"؛ أي: ما استمع الله؛ والاستماع هنا استماع على الحقيقة يليق بذات الله تعالى، وهو استماع لا يشبه استماع المخلوقين، مثله مثل سائر صفات الرب جل في علاه- وإنما يُقَال في استماعه سبحانه وإذنه مثل ما يقال في سائر صفاته سبحانه وتعالى، ويكون إثبات جميع صفات الرب جل في علاه على الوجه اللائق به سبحانه كما قال ربنا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى: ١١).

وروى أبو داود من حديث أبي لبابة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يتغن بالقرآن فليس منا" (٤). و "من لم يتغن" هو من لم يحسن صوته. (٥)


(١) - تفسير القرطبي (١٩/ ٣٧).
(٢) - رواه البخاري (٥٠٢٣)، مسلم (ج ١ حديث ٢٣٣).
(٣) - يُنظر: جامع المسائل لابن تيمية (٣/ ٣٠٤)
(٤) - صححه الألباني في صحيح أبي داود (ج ١ حديث ١٣٠٥).
(٥) وهو قول الجمهور، حكاه النووي في التبيان (١/ ١١٠).

<<  <   >  >>