للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما نوه على ذلك-أيضًا- الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت: ٦٩٥ هـ) - في " نزهة الأسماع "فقال رحمه الله:

وفي الحقيقة هذه الألحان المبتدعة المطربة تهيّج الطباع، وتلهي عن تدبر ما يحصل له من الاستماع حتى يصير الالتذاذ بمجرد سماع النغمات الموزونة والأصوات المطربة، وذلك يمنع المقصود من تدبر معاني القرآن، وإنما وردت السنّة بتحسين الصوت بالقرآن لا بقراءة الألحان، وبينهما بون بعيد. (١)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٥ هـ) -رحمه الله-:

فلا يسوغ أن يُقرأ القرآن بألحان الغناء، ولا أن يُقرن به من الألحان ما يُقرن بالغناء من الآلات وغيرها، لا عند من يقول بإباحة ذلك، ولا عند من يحرمه، بل المسلمون متفقون على الإنكار لأن يُقرن بتحسين الصوت بالقرآن الآلات المطربة بالفم كالمزامير، وباليد كالغرابيل. فلو قال قائل: النبي- صلى الله عليه وسلم- قد قرأ القرآن، وقد استقرأه من ابن مسعود، وقد استمع لقراءة أبي موسى، وقال: "لقد أوتى مزمارًا من مزامير داود" (٢) فإذا قال قائل: إذا جاز ذلك بغير هذه

الألحان، فلا يتغير الحكم بأن يُسمع بالألحان، كان هذا منكرًا من القول وزورًا باتفاق الناس. (٣)

وقال رحمه الله في موضع آخر:

والسلف كانوا يحسنون القرآن بأصواتهم من غير أن يتكلّفوا أوزان الغناء مثل ما كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يفعل. (٤)

وقال القرطبي (ت: ٦٧١ هـ) - رحمه الله - حين تكلم عن حرمة القرآن:

ومن حرمته ألا يقعر في قراءته كفعل هؤلاء الهمزيين المبتدعين والمتنطعين في إبراز الكلام من تلك الأفواه المنتنة تكلفًا فإن ذلك محدث ألقاه إليهم الشيطان فقبلوه عنه ومن حرمته ألا يقرأه بألحان الغناء كلحون أهل الفسق. (٥)

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام (ت: ٢٢٤ هـ) - رحمه الله -:

وعلى هذا تُحمل هذه الأحاديث التي ذكرناها في حُسن الصوت، إنَّما هو طريق الحزن والتخويف والتشويق، يُبَيِّنُ ذلك حديث أبي موسى: أن أزواج النبي صَلَّى الله عليه وسلم استمعن قراءته،


(١) - نزهة الأسماع، لابن رجب (ص: ٧٠)
(٢) - صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين، حديث رقم ٧٩٣.
(٣) - الاستقامة، لابن تيمية ١/ ٢٤١).
(٤) - جامع المسائل: (٣/ ٣٠٤).
(٥) - تفسير القرطبي (١/ ٢٩)

<<  <   >  >>