للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تسبيح الرجال وتصفيح النساء للتنبيه في الصلاة

وقد ثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " … مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ؛ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ". وفي رواية: "إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ" (١).

والتصفيح هو: التصفيق، كما وضحته الرواية الثانية.

وحكمة التفريق بين الرجال والنساء في التنبيه أثناء الصلاة ظاهرة، فالمرأة مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقًا؛ خشية الافتتان بها بحضرة الرجال الأجانب، فناسبه مشروعية التصفيق في حقها لا التسبيح، واختُلف إذا لم تكن بحضرة رجال أجانب فهل تسبح؟ قيل تسبح؛ لأن التسبيح ذكر مشروع في الصلاة، ولانتفاء العلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد التفريق بقوله: " التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" إذا كانت بحضرة الأجانب، وهو وجيه. (٢)

وقيل: تصفق مطلقًا لعموم النص، ولا دلالة فيه على التفريق بين حال وجود رجال أجانب من عدمه، وهذا القول أقوى لظاهر الحديث. (٣)

وإذا كانت المرأة مطالبة بالتصفيق بصفحها أي: بـ"كفها" مقابلة وعوضًا عما يخص الرجال من التسبيح في مواطن التنبيه في الصلاة، والتي هي محل الخشوع والخضوع والذل وحضور القلب وسكون الجوارح وتعظيم الرب جل في علاه، فما ظنك بغيرها من المواطن.!.

فإذا كانت قراءة القرآن من قارئ حسن الصوت تؤثر في السامع وتجذبه إليه، فلا شك في أن المرأة التي تقرآ القرآن وترتله وتجوده ستحاول التأثير في السامعين بكل ما أُتت من قوة كذلك، فستجتهد في تحسن صوتها وتجمله وترخمه وترققه وتنمقه وبالتالي ستكون أكثر تأثيرًا، وهذا الأمر هو الذي يفتح باب الافتتان بصوتها ولا سيما من مرضى القلوب.

والله تبارك تعالى قد نهى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخضوع بالقول، ومن هنّ في الشرف، ورفعة المكانة، وعلو القدر؟! هنَّ أمهات المؤمنين المطهرات المبرءات، وهنَّ من أشرف نساء العالمين، وهنَّ اللائي لا يلحقهنَّ في الفضيلة والمنزلة والمكانة والقدر أحدٌ، فهنَّ أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، وهنَّ أمهات للمؤمنين في الإكرام،


(١) -أخرجه البخاري في "كتاب الأذان" "باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأول أو لم يتأخر جازت صلاته" (٦٨٤)، وأخرجه مسلم (٤٢١)، وأخرجه النسائي في" كتاب الإمامة" "باب إذا تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي هل يتأخر" (٧٨٣).
(٢) - يُنظر: فتح الباري لابن رجب (٩/ ٣١٠).
(٣) -وهذا الرأي هو اختيار شيخنا العثيمين رحمه الله، ولاشك أنه رأي له وجاهته، حيث وقف الشيخ فيه عند النص، يُنظر: تعليقه على مسلم (٣/ ١٢٧).

<<  <   >  >>