للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن علة اشتهار هؤلاء القراء السبعة دون من فوقهم يجيب مكي بن أبي طالب القيسي رحمه الله فيقول:

إنَّ الرواة عن الأئمة من القراء كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرًا في العدد، كثيرًا في الاختلاف، فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه، وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة في النقل وحسن الدين، وكمال العلم، قد طال عمره واشتهر أمره بالثقة، وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى، وعلمه بما يقرأ، فلم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم، فأفردوا من كل مصر وجه إليه عثمانُ مصحفًا إمامًا هذه صفته، وقراءته على مصحف ذلك المصر. (١)

وهذا كلام نفيس يوضح ويجلي سبب وطريقة جمع تلك القراءات والتحري الذي سلكه الأئمة في وضع ضوابط محكمة لإفراد أئمة الأمصار الذين أخذت عنهم تلك القراءات.

وقد مر بنا الخلاف في عدد المصاحف المنسوخة التي أرسلها عثمان (ت: ١٢ هـ) - رضي عنه - وبعث بها إلى الأمصار وأنها على أقوال، من أبرزها:

القول الأول: أنها خمسة نسخ

القول الثاني: أنها سبعة نسخ، غير المصحف الإمام

القول الثالث: أنها ستة نسخ، وقيل غير ذلك، وهذه هي أشهر الأقوال.

وكان اختيار ابن مجاهد أن المصاحف المرسلة للأمصار سبعة مصاحف فلذلك جعل القراء سبعة، وجعل عدد القراء على عدد المصاحف، وألف كتابه "كتاب السبعة"،

فقد جمع فيه أصول وفرش سبعة قراءات لقراء سبعة قد اختارهم من بين قراء عدد من الأمصار، وإنما كان اختياره لهم عن سواهم على أساس تحقق شروط الضبط والإتقان فيهم، مع طول زمن القارئ في ملازمة القراءة على القراء الكبار والتلقي والأخذ عنهم، وقد اقتصر على سبعة قراء واختار راويين عن كل قارئ بقصد التخفيف والتيسير على من يطلب علم القراءات. وكان فعله هذا رغبة في ضبط قراءات السابقين وحفظها، وقد لقى كتابه "كتاب السبعة"، شهرة واسعة، حتى اشتهر "ابن مجاهد" بعد ذلك بلقب "مسبّع السبعة"، كما انتشر كتابه في الأفاق وتلقاه طلاب علم القراءات خصوصًا بالبشر والسرور.

قال ابن مجاهد:

فهؤلاء السبعة من أهل الحجاز والعراق والشام خلفوا في القراءة التابعين، وأجمع على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار وغيرها من البلدان التي تقرب من هذه الأمصار، إلا أن


(١) - الإبانة عن معاني القراءات ويليه كتاب (الياءات المشددات في القرآن الكريم وكلام العرب)، باب علة اشتهار القراءات السبع (ص: ١٧٢).

<<  <   >  >>