للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولجواب أهل هذا الرأي نقول:

من ادعى النسخ يُسأل أي حرف تبقى من تلك الأحرف؟!، فلو أجاب بأنه حرف " قريش"، "وهذا هو جوابهم" لأجيب عنه وكيف تجيب عما وقع بين عمر وهشام بن حكيم من خلاف في قراءة سورة الفرقان كما مر معنا تكرارًا ومرارًا، وهما قرشيان، ومع ذلك فقد اختلفا.

ومن المعلوم أن " عمر " قرشيٌ، من بني عدي، وأن " هشامًا " قرشيٌ" من بني أسد. وقد أقرهما النبي صلى الله عليه وسلم مصوبًا لقراءة وحرف كلٍ منهما، فقال لكل منهما: هَكَذا أُنْزِلَت. ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ: إنَّ القرآنَ أُنزِلَ علَى سَبعةِ أحرُفٍ. (١)

وعمر من السابقين الأولين، وهشام بن حكيم قد تأخر إسلامه، فهو من مسلمة الفتح، وعمر مع طول ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم ومكانته وعلمه وفضله وسبقه، لم يعلم بهذه الأحرف ولذا أنكر على هشام قراءته، لأن مبدأ نزول القرآن كان على حرف واحد، هو حرف قريش، وإن الاستزادة من الأحرف إنما كانت في العهد المدني، بدليل أن استزادة النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ جبريلَ من الأحرف إنما كان عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، وهو- موضع بالمدينة-، ولاشك أبدًا في أن واقعة إنكار عمر لقراءة هشام كانت بعد إسلامه، وقد تأخر إسلام هشام حتى العام الثامن من الهجرة الذي هو "عام الفتح"، وأن هذه الواقعة وقعت بعد عام الفتح بلا شك، قيل على الأغلب والأعم كانت في العام التاسع من الهجرة، وإنما كان انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى بعد عامين من عام الفتح تقريبًا، فمتى كانت دعوى هذا النسخ؟!، وما الذي يثبتها؟.

وبهذا يتبين عدم صحة القول بنسخ الأحرف السبعة، أو أنها كانت للضرورة ثم رفعت، وبذلك يزول الإشكال. والحمد لله رب العالمين.

القول الثاني:

أن المصاحف العثمانية اشتملت على جميع الأحرف السبعة، ولم تُهمل منها حرفًا واحدًا.

وهو ما ذهب إليه جماعات من القراء والفقهاء والمتكلمين، وهو الذي اختاره القاضي الباقلاني وابن حزم والداودي وغيرهم.

قال القاضي الباقلاني (ت: ٤٠٣ هـ) -رحمه الله-:

الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رَسُول اللهِ صلى الله عليه


(١) أخرجه البخاري (٢٤١٩)، ومسلم (٨١٨)، وأبو داود (١٤٧٥)، والترمذي (٢٩٤٣)، والنسائي (٩٣٦) واللفظ له، وأحمد (١٥٨).

<<  <   >  >>