للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن تصور هذه الأمور الثلاثة حين مناقشة مبحث علاقة الأحرف السبعة بالعرضة الأخيرة يعطي رؤية واضحة تصلح لأن تكون مدخلًا سهلًا لمناقشة ومدارسة هذا المبحث.

وفي ضوء ما سبق بيانه إجمالًا يتبين لنا ما يلي:

أولًا: أن القول بأن جبريلَ كان يعارض النبيَ - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام في رمضان بحرف من الأحرف السبعة أمر غير صحيح البتة، فهو مع افتقاره لمستند يُعتمد عليه من نص ثابت صحيح، أو دليل واضح صريح، غير ثابت أصلًا، وإن المتأمل في أحاديث طلب الاستزادة من الأحرف السبعة والرخصة بها يتأكد لديه أنها كانت في المدينة، وأنها كانت قبيل انتقال النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى بعامين على الأكثر - تقريبًا -، ومن المعلوم أن بدء نزول القرآن كان في رمضان في صدر البعثة، والمعارضة كانت في رمضان كذلك من كل عام، وقد مر معنا ذكر أحاديث المعارضة تكرارًا ومرارًا، فكيف كان يعارضه كل عام بحرف والاستزادة لم تكن وقعت، والرخصة بها لم تكن بعد قد شرعت.

ثانيًا: أن القول بأن الصحف العثمانية كانت على حرف واحد قول لا يصح، نعم قد تتأتى من الحرف الواحد قراءات متعددة، غير إن تلك القراءات وردت على حرف ورسم واحد احتمالًا لها جميعًا إلا ما لا يمكن أن يقرأ برسم واحد ولو احتمالًا كالكلمات التي ذكرناها مثل "ووصى"، "وأوصى" فقد كتبت في مصاحف الأمصار أكثر من مرة لاستحالة كتابتها في مصحف واحد مرتين، وكذلك القول بأنها احتملت الأحرف السبعة كلها أيضًا لا يصح وإن كان دون القول الأول، وقد مر معنا بيان ذلك بالتفصيل وذكرنا أن القول الراجح والأقرب للصواب هو أنها اشتملت على كل ما ثبت في العرضة الأخير فحسب، وأنها أهملت كل ما نُسِخَت تلاوتُه، وكان

ذلك وفق على ما يحتمله الرسم العثماني للمصاحف، وأما كل ما لا يحتمله الرسم العثماني من باقي الأحرف فيُعد منسوخًا كما أسلفنا. (١)

و أن "الحروف التي ثبتت في العرضة الأخيرة ثابتة كلها في الرسم العثماني، عن قصد من الصحابة، وهو رأي أكثر أهل العلم من المحققين، مثل أبي الفضل الرازي، وابن الجزري، والرازي، وابن قتيبة، وابن حزم، وغيرهم". (٢)


(١) -وقد مر معنا تكرارًا ومرارًا أن الأولى يقال:
جامعة للعرضة الأخيرة، ويلغى التقييد بِما يحتمله رسم المصاحف، إذ قد علمنا أن الصحابة رضي الله عنهم قد كتبوا مصاحف متعددة، وفاوتوا بينها ليحتمل البعض منها من أوجه القراءة ما لا يحتمله البعض الآخر.
(٢) -الواضح في علوم القرآن: (ص: ١١٤)، المدخل لعلوم القرآن (ص: ١٩٤).

<<  <   >  >>