للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي نحو ذلك يقول ابن الجزري (ت: ٨٣٣ هـ) - رحمه الله -:

أجمع الصحابة على كتابة القرآن العظيم على العرضة الأخيرة التي قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عام قبض، وعلى ما أنزل الله تعالى دون ما أذن فيه، وعلى ما صح مستفاضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره إذ لم تكن الأحرف السبعة واجبة على الأمة، وإنما كان ذلك جائزًا لهم مرخصًا فيه، وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه. قالوا: فلما رأى الصحابة أن الأمة تتفرق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك واجب ولا فعل محظور.

قلت: فكتبوا المصاحف على لفظ لغة قريش والعرضة الأخيرة، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم واستفاض دون ما كان قبل ذلك مما كان بطريق الشذوذ والآحاد من زيادة، وإبدال وتقديم

وتأخير وغير ذلك، وجردوا المصاحف عن النقط والشكل لتحتمله صورة ما بقي من الأحرف السبعة كالإمالة والتفخيم والإدغام والهمز والحركات وأضداد ذلك مما هو في باقي الأحرف السبعة غير لغة قريش، وكالغيب والجمع والتثنية، وغير ذلك من أضداده مما تحتمله العرضة الأخيرة إذ هو موجودة في لغة قريش وفي غيرها، ووجهوا بها إلى الأمصار، فأجمع الناس عليها. (١)

سادسًا: ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أنه لم يكن بين العرضة الأخيرة والتي كانت في رمضان من السنة العاشرة وبين لحوق النبي بالرفيق الأعلى والذي كان في ربيع الأول سنة إحدى عشرة سوى أشهر قليلة معدودة، ألا وهي ستة أشهر تقريبًا، وأنها لم تتميز عن أي عرضة سنوية بشيء أبدًا، إلا أنها كانت في العام الأخير من حياته صلى الله عليه وسلم "مرتين"، ولذا فقد قال صلى الله عليه وسلم "وما أراه إلا قد حضر أجلي". وهو ما ثبت عند مسلم من حديث عائشة: " أن فاطمة رضي الله عنهما قالت: أخبرني [أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ الْآنَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنِّي لَا أُرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ) (٢)

وفي رواية البخاري: (إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِ، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: (أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، أَوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ) فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. (٣).


(١) -منجد المقرئين ومرشد الطالبين (٢٣).
(٢) - رواه مسلم (٢٤٥٠).
(٣) - رواه البخاري (٣٦٢٤)

<<  <   >  >>