للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه. (١)

وفي الآية:

استِئنافٌ يُفيدُ تَعليلَ الإبانةِ مِن جِهَتَيْ لَفظِه ومَعناه؛ فإنَّ كونَه قُرآنًا يَدُلُّ على إبانةِ المعاني؛ لأنَّه ما جُعِل مَقروءًا إلَّا لِما في تَراكيبِه مِن المعاني المفيدةِ للقارئِ، وكونُه عَربيًّا يُفيدُ إبانةَ ألفاظِه المعانِيَ المقصودةَ للَّذين خُوطِبوا به ابتِداءً، وهم العرَبُ. (٢)

من أبرز صور علاقة الأحرف السبعة بلغات العرب ما يلي:

١ - إنه لمَّا كان من أبرز أسباب نزول القرآن على سبعة أحرف التيسير والتهوين على هذه الأمة والتوسعة عليها في قراءة القرآن، وكان الإذن في هذه التوسعة قُبَيل نهاية العهد المدني كما دلت الأحاديث الصحيحة الثابتة الواردة بهذا الصدد على ذلك، وقد زامن ذلك كثرة دخول القبائل في الإسلام، طالب النَّبيُ - صلى الله عليه وسلم - جبريلَ عليه السلام بالاستزادة من تلك الأحرف تسهيلًا وتهوينًا على تلك القبائل الداخلة في دين الله، وعموم الأمة تبعًا لهم في لذلك، فقال عليه

الصلاة والسلام لجبريلَ: "إني أرسلت إلى أمة أمية فيهم الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابًا قط" (٣).

٢ - إنه لمَّا كان إنزال القرآن الكريم بلغة العرب واحتواء الأحرف السبعة للهجاتهم مفخرة وإعزازًا لهم، كان كذلك حافظًا للهجاتهم من الاندثار.

٣ - احتواء الأحرف السبعة للغات العرب وتعدد لهجاتهم يُبْرِز تنوُّع للمعاني، ذلك لأن تعدد تلك اللهجات يترتب عليه تعدد معانيها مما يدفع ويحث على التأمل والتدبر في كلام الله تعالى، كما أنه يُثري البحث والنظر في تفسير تلك المعاني وما يترتب عليها من أحكام شرعية.

٤ - وإنما كان نزول القرآن بلسان العرب واحتواء الأحرف السبعة للهجاتهم ليتحقق لهم كمال بيان معاني آياته، ليفهموه، وليهتدوا بهداياته.

٥ - استيعاب الأحرف السبعة لكل لغات العرب مع اتساع لهجاتها دلالة من دلائل إعجاز القرآن. فـ" في اختلاف القراءات نهاية البلاغة، وكمال الإعجاز، وغاية الاختصار، وجمال الإيجاز؛ إذ كل


(١) - تفسير ابن كثير: (٤/ ٣٦٥ - ٣٦٦).
(٢) - يُنظر: تفسير ابن عاشور: (١٢/ ٢٠١).
(٣) - رواه الترمذي، كتاب القرآن ح (٩).، وأخرجه أحمد في المسند، باقي مسند الأنصار، حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه رقم (٢٣٤٤٦)، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: صحيح لغيره، إسناده حسن.

<<  <   >  >>