للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شهِدوا بأن ما معهم كُتِب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وكل ذلك لتكون كتابة المصحف على قاعدة كتابة النسخة الأولى النبوية إلى ما شاء الله. (١)

من هنا يتبين لنا ما يلي:

أولًا: أن كون رسم المصحف كتب موافقًا للأحرف السبعة، فالمراد به طريقة رسم الكلمات وطريقة النطق بما هو مكتوب لا بما هو مسموع.

قال أبو العباس أحمد بن عمار التميمي المهدوي (ت: ٤٣٠ هـ) - رَحِمَه الله-:

أصح ما عليه الحُذاق أنَّ الذي يُقرأ الآن (٢) بعض الحُروف السَّبعة المأذون في قِراءتها لا كُلها، وضابِطُه ما وافق رَسمَ المُصحَف. (٣)

وقول أبي العباس: (لا كُلها) لأن المعتمد في باقي الأحرف هو النقل الصوتي لأنه قاض على الرسم.

ثانيًا: أن المسموع الصوتي لابد فيه من التلقي عن طرق المشافهة فحسب، والمسموع الصوتي إنما يؤخذ بالتلقي والرواية بالإسناد المروي والمأخوذ مشافهة من كابرٍ عن كابرٍ من بداية السند إلى منتهاه، حتى ينتهي بمن أنزل عليه القرآن صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا: إنه لما كان مرسوم المصحف بحرف ولسان قريش يتعلق بالكلمات والألفاظ المكتوبة فحسب، فيستخلص من ذلك أنه يستحيل أن يحوي جميع أوجه الأحرف السبعة، لأن تلك الأوجه إنما تؤخذ بالمشافهة عن طريق التلقي بالرواية والإسناد عن أئمة الأداء ومشايخ الإقراء من أول السند إلى منتهاه برسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا.

رابعًا: أن القرآن الكريم قد رسم في غالبه بلغة قريش، فمع هذا لا يمنع رسم طائفة من الحروف بلغة غيرها؛ لأن رسم المصحف قد احتوى على ما استقر من الحروف القرآنية في العرضة الأخيرة. (٤)

وفي نحو ذلك يقول مكيّ بن أبي طالب القيسي القيرواني (ت: ٤٣٧ هـ) - رحمه الله -:

فالمصحف كتب على حرف واحد، وخطه محتمل لأكثر من حرف. إذ لم يكن منقوطًا، ولا مضبوطًا. فذلك الاحتمال الذي احتمل الخط هو من الستة الأحرف الباقية. (٥)


(١) - القول المنيف في تاريخ المصحف الشريف؛ للأستاذ الدكتور عبدالكريم إبراهيم صالح، ط/ كلية القرآن الكريم، ص ٦٨.
(٢) يعني: في المصاحف.
(٣) - يُنظر: فتح الباري (١٩/ ٣٦).
(٤) - القراءات القرآنية، عبد الحليم قابة، (ص: ١٤٤ - ١٤٦)، مقدمات في علم القراءات، د. أحمد القضاة، ود. أحمد شكري، ود. محمد خالد، (ص: ٤٠).
(٥) - الإبانة، لمكي بن أبي طالب، (ص: ٣٤).

<<  <   >  >>