للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أعظم ما يدل على شهرة حديث الأحرف السبعة عند الصحابة رضي الله عنهم، عناية كتب السنة بإخراجه والتبويب له بباب خاص.

وقد روى عن نيِّف وعشرين صحابيًا كما أسلفنا، وهذا وحده كاف في إثبات ذيوع حديث الأحرف السبعة واستفاضة شهرته عند الصحابة رضي الله عنهم.

فإن اُحْتُّجَ على هذا الاشتهار بقصة عمر وهشام بن حكيم في اختلاف قراءتيهما في سورة الفرقان، وأن هشامًا من مسلمة الفتح، وأن ذلك كان قُبيل انتقال النبي صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى بعامين، وكذلك ما وقع لأبي بن كعب مع ابن مسعود في سورة النحل.

أجيب عنه بأمور منها:

١ - أن قصة عمر مع هشام، وما وقع لأبي بن كعب مع ابن مسعود، كانتا بداية شيوع وانتشار خبر حديث الأحرف السبعة وشيوعه عند الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

٢ - أن كون الرخصة في القراءة بالأحرف السبعة وإن كان في أواخر العهد المدني، فإن هذا لا يمنع من ذيوعه وانتشاره بعد ذلك لدواعي توافر وجود الصحابة رضي الله عنهم وانتشارهم في الأمصار للدعوة والجهاد في سبيل الله بعد عهد النبوة المبارك.

٣ - ومما يجاب به عن ذلك أيضًا: موقف حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، لما رأى اختلاف القراء الذين لم يشهدوا عهد التنزيل وقت الفتوحات الإسلامية في غزوة أرمنية وأذربيجان، ولم يعلموا بنزول القرآن على سبعة أحرف، فأنكر عليهم ورفع أمرهم لإمام المسلمين وثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

٤ - ومن أعظم ما يجاب به كذلك ما ثبت عند أبي يعلى بسند صحيح عن أبي المنهال قال: بلغنا أن عثمان -رضي الله عنه- قال يومًا وهو على المنبر: أذكر الله رجلًا سمع النبي صلى الله عليه

وسلم قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شاف كاف" (١)، فقال عثمان -رضي الله عنه-: وأنا أشهد معهم. (٢)

ولا يشك مؤمنٌ بالله تعالى أبدًا في أن الروافض أهل وزر وبهتان، وأثر أبي المنهال من الشواهد الحسان والسهام التي يرمى بها أهل النفاق والشقاق وسوء الديانة والأخلاق ممن ليس لهم في الآخرة من خلاق.


(١) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف، (ص: ١٠٨٧)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب: بيان أن القرآن على سبعة أحرف (١/ ٥٦٠).
(٢) المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي (٣/ ١٢٠).

<<  <   >  >>