للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: أن الأحرف السبعة كلها على اختلاف نطقها وصفة قراءتها هي كلام الله، ولا دخل لمخلوق فيها البتة، فكلها وحيٌ من عنده الله، قد تلقَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّها عن جبريل عليه السلام، ولمَّا كانت تلك الأحرف من القرآن المنزل فهي محفوظة من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان كما قال ربنا سبحانه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر: ٩).

وفي نحو ذلك يقول ابن قتيبة الدِّيْنَوَرِي (ت: ٢٧٦ هـ) - رحمه الله -:

وكل هذه الحروف كلام الله تعالى، نزل به الروح الأمين على رسوله عليه السلام، وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن، فيحدث الله إليه من ذلك ما يشاء، وينسخ ما يشاء، وييسر على عباده ما يشاء، فكان من تيسيره أن أمره بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم. (١)

وفي نحو ذلك يقول ابن عطية الأندلسي (ت: ٥٤٦ هـ) - رحمه الله - أيضًا -:

فأباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الرصف، ولم تقع الإباحة في قوله صلى الله عليه وسلم (فاقرؤوا ما تيسر منه) (٢) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه.

ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن، وكان معرضًا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله، وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي صلى الله عليه وسلم ليوسع بها على أمته، فقرأه مرة لأُبيّ بما عارضه به جبريل صلوات الله عليهما ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضًا.

وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب لسورة الفرقان وقراءة هشام بن حكيم لها، وإلا فكيف يستقيم أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة كل منهما وقد اختلفتا: (هكذا أنزلت) (٣)، هل ذلك إلا لأنه أقرأه بهذه مرة وبهذه مرة. (٤)

وقول ابن عطية: (ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن) حجة قوية الدلالة على كل مخالف.


(١) تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة: (ص: ٩٤).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف، (ص: ١٠٨٧)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب: بيان أن القرآن على سبعة أحرف (١/ ٥٦٠).
(٣) أخرجه البخاري (٢٤١٩)، ومسلم (٨١٨)، وأبو داود (١٤٧٥)، والترمذي (٢٩٤٣)، والنسائي (٩٣٦) واللفظ له، وأحمد (١٥٨).
(٤) المحرر الوجيز: (١/ ٤٥). بتصرف يسير.

<<  <   >  >>