للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان يظنُّ ثمَّ يقيس عليه وينسى أنَّ بدءَ أمرِه كان ظَنًّا فإذا أتقنَ ذلك وأيقنَ جَزَم عليهِ". (١)

"ولم يكن رد الجاحظ على شيخه رد المجادل المحاور، ولكنه كان بالعمل، فقد كان أول من كتب في إعجاز القرآن من الناحية البيانية؛ ليكون الرد على الصَّرْفَةِ ببيان الإعجاز الذاتي". (٢)

وليتجلى الأمر بصورة أوضح

فقد "كان النَّظام - ابراهيم بن سيَّار بن هانئ النَّظام البصري من الموالي، وإليه تنتسب الفرقة النظامية (٣) -أول من اقترن اسم الصَّرْفَةِ باسمه، واشتهر أنه أول المنادين بها، وقيل له - النَّظام -

لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة، تتلمذ على خاله أبي الهذيل العلاف في الاعتزال، ثم انفرد عنه وكون مذهبًا خاصًا به، مات في ريعان شبابه (سنة ٢٣١ للهجرة) عن ست وثلاثين عامًا، وكان أستاذ - الجاحظ - (٤)، ترجم له أبو منصور البغدادي - في كتابه - الفرق بين الفرق - عند ذكره الفرقة النظامية فقال: - عاشر النَّظام في شبابه قومًا من الثنوية (٥) وقومًا من السمنية (٦) القائلين بتكافؤ الأدلة، وخالط قومًا من ملاحدة الفلاسفة، ثم دون مذاهب الثنوية، وبدع الفلاسفة، وشبه الملاحدة في دين الإسلام، وأعجب بقول البراهمة بإبطال النبوات، ولم يجسر على إظهار هذا القول خوفًا من السيف، فأنكر إعجاز القرآن في نظمه، وأنكر ما روي في معجزات نبينا - صلى الله عليه وسلم - من انشقاق القمر، وتسبيح الحصى في يده، ونبع الماء من بين أصابعه، ليتوصل بإنكار معجزات نبينا - عليه السلام - الى إنكار نبوته، ثم أنه استثقل أحكام شريعة الإسلام في فروعها، ولم يجسر على إظهار رفعها، فأبطل الطرق الدالة عليها، فأنكر لأجل ذلك حجية الإجماع، وحجية القياس في الفروع الشرعية، وأنكر الحجة من الأخبار التي توجب العلم

الضروري ثم إنه ذكر الصحابة بما يقرؤها غدًا في صحيفة مخازيه، وطعن في فتاوى أعلام الصحابة - رضي الله عنهم - ثم قال: - والفضيحة الخامسة عشرة من فضائحه - أي النَّظام -: أن نظم القرآن وحسن تأليف كلماته، ليست بمعجزة للنبي - عليه الصلاة والسلام -، ولا دالة على صدقه


(١) - الحيوان للجاحظ: (٢/ ٢٢٩ - ٢٣٠).
(٢) - يُنظر: أبو زهرة، المعجزة الكبرى للقرآن، (ص: ٥٩)، الشاملة الحديثة.
(٣) -النظامية أصحاب إبراهيم بن سيار بن هانئ النظّام طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة. يُنظر: الملل والنحل-الشهرستاني: (١/ ٦١).
(٤) -المعتزلة - زهدي حسن جار الله - منشورات النادي العربي في يافا - ١٩٤٧ م - ص ١٢٠ - ١٢٩.
(٥) الثنوية: قوم يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، يُنظر: الملل والنحل: للشهرستاني: الإمام أبي الفتح عبد الكريم (ت: ٥٨٤ هـ) ج ١/ ص ٨٠ بهامش الفصل. دار صادر - بيروت.
(٦) - السمنية: فرقة هندية قالت بقدم العالم وبتناسخ الأرواح -يُنظر: الفرق بين الفرق - للبغدادي الفصل الثاني عشر ص ٢٧٠.

<<  <   >  >>