للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن القيمة لا تجوز وبه قال الأنماطي من أصحابنا، وروي عن مالك مثل مذهبنا.

وقال أبو حنيفة وأحمد: يجوز ويكون أصلًا وهذا غلط، لأنه ناقص المنفعة عن الحب ولا يكون أصلًا فيه كالخبز واحتجوا بما روي في خبر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أو صاع من دقيق" قلنا: قال أبو داود روى سفيان الدقيق ووهم فيه ثم رجع عنه وهل يعتبر غالب قوت البلد أو غالب قوت نفسه ظاهر قول الشافعي وهو الصحيح، وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق يعتبر غالب قوت البلد لا قوته، وبه قال مالك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم" وإنما يحصل الاستغناء بغالب قوت البلد، وقال أبو عبيد بن خربويه يعتبر غالب قوت نفسه وادعى أن هذا ظاهر المذهب لأن الشافعي قال (١): وأي قوت كان الأغلب على رجل أدّى منه زكاة الفطر ولأنه [٢٤٤ أ/٤] لما وجب إذا فضل عن قوته وجب أن يجب من موته، ومن قال: بالأول قال: أراد به إذا كان يقتات هو من غالب قوت البلد.

قال القفال: وهو الأصح عندي أنه يلزمه أن يخرج مما يقتاته من هو في مثل حاله في الغالب أو خيرًأ منه فإن كان مثله يقتات الحنطة ولكنه يقتات الشعير لشحه لم يجزه إلا الحنطة، وإن كان مثله يقتات الشعير ولكنه يقتات الحنطة إسرافًا فله أن يؤدي الشعير، وإن ادعى الحنطة فهو أولى، وإن كان مثله يقتات كليهما وهو يقتات كليهما فإن كان أحدهما هو الأغلب اعتبرنا الأغلب، وإن استويا فهما سواء يؤدي من أيهما شاء، والأفضل أن يؤدي من خيرهما.

ومن أصحابنا من قال: يتخير بين أجناس الأقوات فيخرج من أيهما شاء، وبه قال أو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم: "صاعًا من نمر أو صاعًا من شعير" ولفظة أو إذا لم تكن شكًا ولا تنويعًا كانت للتخيير وهذا غلط، لأن معنى الخبر صاعًا من تمر إن كان القوت هو التمر أو صاعًا من شعير إن كان القوت هو الشعير [٢٤٤ ب/٤] فإذا قلنا بقول عامة أصحابنا، فإن كان قوته غالب قوت البلد ففيه ثلاثة مسائل:

أحدها: أن يخرج من الغالب فيجوز، فإن أخرج أعلى منه مثل إن كان غالب قوت البلد الشعر فأخرج تمرًأ أو بُرّاً فيجوز قولًا واحدًا وعلى هذا لو أخرج التمر بطبرستان يجوز قولًا واحدًا بلا إشكال، وقال في "الحاوي" (٢): فيه وجه آخر لأصحابنا: أنه لا يجوز لأنه غير ما وجب عليه، وإن كان خيرًا كمن أخرج البر عن الشعير أو الدينار عن الدرهم لا يجوز وهذا خلاف المنصوص ونظيره أن يخرج في زكاة الإبل أعلى سنامًا وجب عليه يجوز وإن أخرج دونه مثل إن كان الغالب حنطة فأخرج شعيرًا لا يجوز في ظاهر المذهب، وقال أبو إسحاق: فيه قول آخر أنه يجوز وهو عين ما ذكرنا أنه يتخير بين أجناس الأقوات، وقال القاضي الطبري: وهذا هو الصحيح عندي لظاهر السنة ولا خلاف على هذا أن التمر والبر أولى من غيرهما وفي أولادهما وجهان أحدهما: التمر


(١) انظر الأم (٢/ ٥٨).
(٢) انظر الحاوي للماوردي (٣/ ٣٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>