للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقع التسليم لقوله ذلك، فعد الاجتهاد في عدالته، فصار قوله مقبولًا، وهذا اختيار ابن أبي هريرة، وهذا لا يصح؛ لأن عدالة المخبر لا تدل على صحة الخبر، كما لا يكون عدالة العالم دليلًا على صحة فتياه، وإنما الدليل ما اختص بالقول المقول لا ما اختص بالقائل من عدالة وصدق. فإذا تقرر هذا، نعني بالعالم هو الذي لا يجوز له التقليد من بلغ رتبة الاجتهاد، وهو من عرف الكتاب والسنة وأقاويل الصحابة وآثار السلف وإجماع الأمة [١١ أ/ ١] واختلافهم والعربية والاستنباط بالقياس، ونعني به أن يعرف من كل واحد من هذه العلوم معظمه، لا أن يأتي على جميعه؛ لأنه لا يمكن، ومن لم يبلغ هذه الرتبة لا يحل له أن يفتي، بل يحكي الحكاية فيقول: قال فلان كذا، أو يعرف فإنه يفتي على مذهب فلان، فحينئذ يجوز أن يطلق الجواب إطلاقًا. وقيل: من يجوز تقليده أربعة أصناف؛ النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ما أمر به أو نهى عنه لا يسأل عن دليله، وهذه صفة الدليل، ويجب تقليده فيما أمر لقوله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، وهذا أصح من قول من قال: لا يسمى تقليدًا لقياس الدليل على صدقه.

الثاني: المخبرون عن الرسول صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا من تقليد أخبار الواحد.

الثالث: المجمعون على حكم، فتقليدهم فيما أجمعوا يجب.

الرابع: الصحابة، فتقليدهم يختلف على حسب اختلافهم فيما قالوه على ما سنذكر إن شاء الله.

فرع

اختلف أصحابنا في أن النبي صلى الله عليه وسلم هل يأمر باجتهاد أم لا؟ على وجهين أحدها: يجوز له ذلك، لأن للاجتهاد فضيلة تقتضي الثواب، فجاز له صلى الله عليه وسلم. والثاني: لا يجوز له لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤].

فرع أخر

اختلف أصحابنا في أن لأهل الاجتهاد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجتهد، أو يلزمه [١١ ب/ ١] سؤاله على ثلاثة أوجه: أحدها: يجوز لقول معاذ رضي الله عنه: "أجتهد رأيي"، فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثاني: لا يجوز؛ لأن النص ممكن في عصره بسؤاله.

والثالث: يجوز لمن بعد منه دون من قرب للتعذر على البعيد الرجوع إلى النص، ولا يتعذر ذلك على القريب.

فرع آخر

لو علم العامة حكم الحادثة ودليلها، وأراد أن يفتى به لغير ما فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يجوز لأنه وصل إلى العلم به بمثل وصول العالم إليه.

والثاني: لا يجوز وهو الأصح؛ لأنه قد يكون هناك دلالة تعارضها هي أقوى منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>