للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسألة: قال (١): وَالشَّيْخُ الكبيرُ الذي لاَ يَسْتَطِيعُ الصَّوَّمَ.

الفصل

وهذا كما قال: الشيخ الهرم والشيخة الهرمة إذا عجزا عن الصوم يجوز لهما أن يفطرا وهل يجب عليهما لكل يوم مد من طعام فيه قولان، قال في عامة كتبه: يلزمه ذلك وهو الصحيح وبه قال جماعة العلماء، [٣٣٢ ب/٤] وهو قول سعيد بن جبير وطاوس وقال ابن عباس وابن عمر يطعم كل يوم مسكينًا (٢) وقال أبو هريرة: عليه لكل يوم مد قمح (٣). وروي أن أنسًا ضعف عن الصوم عاماً قبل وفاته فأفطر وأطعم مكان كل يوم مسكينًا (٤)، وعن أحمد أنه يطعم مدًا من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير، وقال في "حرملة" و "البويطي": يستحب له الفدية ولا يجب، وبه قال مالك وربيعة ومكحول وأبو ثور واحتجوا بأن من جهده العطش يفطر ويفضي ولا فدية كذلك هاهنا، واحتج الشافعي بما روي أن ابن عباس أوجب الفدية وقرأ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة:١٨٤]، قال: أراد به المرأة الهرمة والشيخ الكبير يتكلفان الصوم فلا يطيقان يفطران ويطعمان لكل يوم مسكيناً، ثم إن الشافعي خالفه قراءة وتأويلاً ولم يخالفه مذهباً فقال وغيره من المفسرين يقرؤونها يطيقونه، وكذلك يقرأها ويزعم أنها نزلت حين نزل فرض الصوم ثم نسخ ذلك قال الشافعي: وآخر الآية يدل على هذا المعني لأن الله تعال قال: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة:١٨٤] وزاد على مسكين، أي: أطعم مسكينين فهو خير له. ثم قال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] [٣٣٣ أ/٤] قال فلا يؤمر بالصوم من لا يطيقه أي: لو كان المراد بالآية ما قاله ابن عباس عن الشيخ الهرم لكان لا يأمره بالصوم لأنه لا يطيقه قال ثم بيّن من نسخه فقال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:١٨٥] قال وإلى هذا يذهب وهو أشبه بظاهر القرآن. قال المزني: هذا بين في التنزيل أي: في ظاهر القرآن مستغنى فيه عن التأويل وهو على ما ذكر.

واحتج بعض أصحابنا بأن الله تعال خير في ابتداء الإسلام على ما ذكرنا ثم ختم الصوم بما ذكرنا من الآية فالشيخ الكبير تناول من يحتم عليه الصوم دون الشيخ الهرم فهو باق على أصل التخيير فإذا تكرر هذا قال في "الأم" (٥): والحال الذي يترك به الكبير الصوم هو أن يجهده الجهد غير المحتمل وكذلك إذا كان الصوم يزيد في مرض المريض يفسده وزيادة بينة أفطر، وإن كانت زيادة محتملة لم يفطر وكذلك المرضع إذا


(١) انظر الأم (٢/ ٢١).
(٢) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٣١٨)، وفي "معرفة السنن" (٣/ ٤١٦).
(٣) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٣١٩)، وفي "معرفة السنن" (٢٥٥٣).
(٤) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٣٢٠)، وفي "معرفة السنن" (٢٥٥٤).
(٥) أنظر الأم (٢/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>