للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرْعٌ آخرُ

إذا كانت له بضاعة يكفيه ربحها أو ضيعة يكفيه غلتها، ولو باعها وصرف ثمنها إلى الحج لم يبق له ما يتجر به، ولا ما يستغل منه، وليس له معيشة ولا ضيعة عن التجارة أو الزراعة. اختلف أصحابنا فيه، منهم من قال: لا يلزمه صرفها إليه، وبه قال أحمد، وهو اختيار ابن سريج، والقاضي الطبري وجماعة، لأن فيه إلحاق ضرر عظيم به، فإنه يؤدي إلى الفقر، ومسألة الناس وذهاب الحشمة، وهذا ظاهر لا شكّ فيه، ولأنه لم يجب بيع المسكن والخادم وكتب العلم للحَاجة إليها على ما قررنا فلا يجب بيع البضاعة، والضيعة أيضًا. ومن أصحابنا من قال: يلزمه صرفها إليه. وبه قال أبو حنيفة وقال في" الحاوي" (١): وهذا مذهب الشافعي، وجمهور أصحابه لأن الشرط في وجُوبه الزاد والراحلة ونفقة أهله في ذهابه ورجوعه، ولا اعتبار بما بعده. قال هذا القائل: ويفارق هذا المسكن والخادم، لأن السكنى والخادم يجبان على الغير ولا يجب على الإنسان أن يعطى غيره بضاعة يتجر فيها.

وقال أبو حامد: هذا هو المذهب، ولا أعرف ما حكي عن ابن سريح عنه، ولا أجده في كتبه، وهو خلاف الإجماع أيضًا، قال: والحج كزكاة الفطر تلزمه الفطرة في الفاضل عن قوتِ يومه وليلته، كذلك الحج يلزمه في الفاضل عن قوته، وقوت عياله. قال: والدليل على صحة هذا أن الرجل لو كان [٧/ب] ممن لا يمكنه التجارة إلا بألف دينار، لا يقال: يترك له ذلك، ولا يخاطب بالحج لأن هذا ظاهر الفساد ومن نظر قول ابن سريج، وهو الصحيح عندي، أجاب علي هذا الفرق بأنه كما لا يلزم الغير أن يدفع البضاعةِ إلى الغير لا يلزمه أن يسكنه ملكًا بل يلزمه أن يحصل له منافع السكنى، وكذلك يلزمه أن يكفيه منفعة البضاعة، فلا فرق.

فَرْعٌ آخرُ

قال أبو حَامد: حكي عن الشافعي أنه قال: يترك للمفلس بضاعة يتّجر فيها ثم يقسم باقي ماله على غرمائه، وأراد به استحبابًا إذا رضي الغرماء بهِ، فأما إذا لم يرضوا لا يترك له إلا قوت أهله وقوته ما يكفيهم يومهم وليلتهم.

فَرْعٌ آخرُ

لو كان عليه دين لا يفضل عنه ما يكفيه لحجه لم يجب عليه الحج حالًا كان أو مؤجلًا، نصّ عليه في" الإملاء"، وإنما كان كذلك لأن الحال مقدم لأنه على الفور ويتعلق به حق الآدمي ويلحقه ضرر ببقائه في ذمته، وكذلك المؤجل لأن عليه في بقائه إضرارًا عظيمًا، ولهذا لا يلزمه الحج حتّي يفضل عن نفقةِ أهله إلى حين عودهِ، وإن لم تكن واجبة في الحال. وقال بعض أصحابنا: إن كان الدين المؤجل يحلّ عليه قبل عرفة لا يلزمه الحج، وإن كان يحلّ عليه بعد عرفة هل يلزمه الحج؟ وجهان:

أحدهما: لا يلزمه.


(١) انظر الحاوي للماوردي (٤/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>