للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: يلزمه لأن الدين المؤجل غير مستحق عليهِ قبل حلوله، والظاهر السّلامة والحج وجب في الحال، والدين متأخّر.

فَرْعٌ آخرُ

لا يلزمه أن يستقرض ولا أن يسأل الناس لأنه غيرُ واجدٍ للزاد والراحلة، ولو بذل له غيره أن يحمله مع نفس ليحج وينفق عليه [٨/أ] لم يلزمه قبول ذلك، لأن عليه منة في ذلك فإن فعل وحج في مؤنة غيره أجزأه. قال الشافعي: حجّ رسول الله (صلي الله عليه وسلم) بقوم حملهم، فأجزأ ذلك عنهم، ولو قدر أن يؤاجر نفسه لمن يحج به لم يلزمه ذلك، لأن طريقه الاكتساب، ولا يجبر الإنسان على الاكتساب ليحصل الحج، فإن فعل ذلك أجزأه لأنه باشر الأعمال كُلها بنفسه. وروي أن رجلًا سأل ابن عباسٍ رضي الله عنهما، فقال: إن هؤلاء القوم يستأجروني لأحجّ، أفيجزي عني؟ فقال: نعم (١)، وتلا قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة:٢٠٢]، وبهذا قال ابن عمر وابن عباس، وسعيد بن جبير والحسن وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق رضي الله عنهم، وقال مالك: لا تعتبر الراحلة في وجوب الحج، فإذا كان الإنسان صحيحًا يمكنه المشي يلزمه الحج، ولا يعتبر وجود الراحلة في حقه. وأما الزاد فلا يعتبر ملكه بل يعتبر القدرة عليه، فإن كانت له صنعة يكتسب بها في الطريق لزمه ذلك، وإن لم يكن له صنعة، وكان ممن جرت عادته بمسألة الناس لزمه أيضًا، وإن لم يكن ممّن جرت عادته بالسؤال لم يلزمه. وروي عن عكرمة وابن الزبير والضحّاك أنهم قالوا: الاستطاعة صحة البدن فقط، وهذا غلط لما روينا من الخبر في تفسير الاستطاعة، والسبيل.

فَرْعٌ آخرُ

قال في" الأم" (٢): ومن قدر أن يحج ماشيًا من رجل أو امرأة ولا يجد الراحلة أحببت له أن يحجّ، والرجل في ذلك أقل عذرًا، قال أصحابنا: هذا يدل على أن الرجل أكد في الاستحباب من المرأة، لأن المرأة عورة بخلاف الرجل.

فَرْعٌ آخرُ

قال في" الأم" (٣) و"الإملاء": [٨/ب] إن كان مطبقًا للمشي، وله صنعة يكتسبُ بها في طريقه أحببت له أن يحج للخروج من الخلاف، ولأنه يحمل المشقة لأداء العبادة، فأشبه الصوم في السفر، وإن لم يكن كسوبًا، وأراد أن يخرج ويسأل الناس في الطريق أحببت له أن لا يفعل، ويكره له ذلك لأن كرامته المسألة أبلغ من كراهية ترك الحج، ولأن فيه إلقاء نفسه في التهلكة، ولو حجّ معَ هذا أجزأه.

فَرْعٌ آخرُ

لو كان له طريقان في إحداهما خوف ولا خوف في الآخر لكنه أطول، وهو


(١) أخرجه البيهقي في" الكبرى" (٨٦٥٥)، وفي "معرفة السنن" (٣٦٦٥).
(٢) انظر الأم (٢/ ٩٩).
(٣) انظر الأم (٢/ ١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>