للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني من المستطيع [٩/ب] أن يكون مستطيعًا بغيره، ويعتبر فيه شرطان:

أحدهما: أن يلحقه مشقة شديدة غير محتملة في الكون على الراحلة

والثاني: أن يكون ذلك سببٍ لا يرجى زوَاله كعصبٍ أو ضعف خلقه، فيوصف عند وجود هذين الشرطين بنفسه، بل يستطيع بغيره يعني بأن يحج غيره عن تقسه، ثم لا يخلو حاله من أربع أحوال، إما أن يجد من يحج عنه، ولكن لا يجد مالًا يستأجره به، أو لا يجد من يستأجره، ولكن يجد مالًا، أو يجد مالًا ويجد من يستأجره، أو لا يجد مالًا ويجد من يبذل له الطاعة في الحج عنه بغير مالًا، فإن وجد من يستأجره، ولا يجد مالًا، فلا حج عليه كما لو كان صحيحًا لا يجد زادًا ولا راحلة، وإن وجد مالًا، ولا يجد من يحج عنه لا يلزمه أيضًا، لأنه غير مستطيع كما لو تعذر الخروج على القادر للخوف، أو لضيق الوقت. فإن وجد مالًا، ووجد من يستأجره بأجرةٍ مثله وجبَ عليه الحج، فإن فعل، وإلا استقر في ذمته يؤدى من تركته، وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق.

وقال مالك: لا حج عليه بحال ولا يجوز أن يستأجر عنه في حياته، فإن أوصى به بعد

وفاته يجوز. وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين: لا يلزمه الحج أصلًا، وإن كان موسرًا، وهذا غلط لما روي ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة من خثعم أتت النبي (صلي الله عليه وسلم)، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته أفأحج عنه؟ قال:" نعم"، قالت: أفينفعه ذلك؟ قال:" نعم"، كما لو كان على أبيك دين فقضيتهِ [١٠/أ] نفعه" (١)، ولم ينكر عليها وجوب الحج على أنها في حال الكبر والعجز. وروي عن أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الطعن، فقال: "حجّ عن أبيك واعتمر" (٢)، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لشيخ كبير: إن شئت فجهّز رجلًا عنك، وأما إذا وجد من يطيعه ولا مال يلزمه الحج، وقال أبو حنيفة: لم يلزمه الحجّ، ببذل الطاعة ويتصور الخلاف معَه إذا وجب عليه الحج، ثم صارَ معصوبًا معسرًا، فقال ابنه: أنا أحجّ عنك لا يلزمه الأمر به عنده. وبه قال أحمد واحتج بأنه عبادة تجب بوجود المال، فلا يجب ببذل الطاعة كالعتق في الكفارة، وهذا غلط لما قال الشافعي (٣)، ومعرُوف من لسان العرب أنهم يقولون: أنا مستطيع لأن أبني داري وأخيط ثوبي يعني بالإجارة، أو من يطيعني، وأراد به أنه لما وقع عليه اسم الاستطاعة دخل تحت قوله:" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" [آل عمران:٩٧]. وأما الكفارة، فالفرق من وجهين:

أحدهما: أن عليه منة في قبول الرقبة دون الطاعة، لأن العادة جارية بأن الناس


(١) أخرجه البخاري (١٥١٣)، ومسلم (٤٠٧/ ١٣٣٤) بلفظ:" يثبت" بدل" يستمسك" وفي رواية للبيهقي في" الكبرى" (٨٦٢٩): يستمسك، ومن الرواة من يجعله عن ابن عباس عن أخيه الفضل.
(٢) أخرجه أحمد (١/ ٢٤٤)، والترمذي (٩٣٠)، والنسائي (٢٦٢١)، وابن ماجه (٢٩٠٤)، والدارمي (٢/ ٤١)، وابن حبان (٩٦١)، والبيهقي في" الكبرى" (٨٦٣٣).
(٣) انظر الأم (٢/ ٩٦ (.

<<  <  ج: ص:  >  >>