للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينوب بعضهم عن بعضٍ بأبدانهم، وأيضًا الكفارة تجب على من يملك الرقبة، فلو قلنا: يجبرُ على قبولها وتملكها ليعتق أجبرناه على سببٍ يلزمه به العتق، فيكون بمعنى الإجبار على الاكتساب، فلم يجب ذلك وههنا إذا علم الطاعة ممن يطيعه، فألزمنا لم تجبره على سبب يجب به الحج لأن الوجوبَ يتقدم، فلهذا أوجبناه. نم اعلم أنَّ المعصوب مقرًا بالصاد غير المعجَمة، ومعناه مقطوع العصَب لا يثبت على المركب [١٠/ب]،ثم تكلم بعد هذا إلى آخر الباب في جواز النيابة في الحجّ في حال الحياة، فاحتج بخبر الخثعمية على ما ذكرنا، فجعل قضاءها الحجّ عنه كقضائها الدّين، فلما جاز قضاء الدين عن الحي جاز محاء الحج أيضًا، ثم احتج على مالك بخبر مرسل، وهو ما روي عن عطاء عن النبي (صلي الله عليه وسلم) أنه سمع رجلًا يقول: لبيك عن فلان وروي أنه يلبي عن شبرمة، فقال: ومن شبرمة؟ فقال: أخٌ لي أو قريب، فقال: "حجّ عن نفسك، ثم حجّ عن شبرمة"، وروي أنه قال: أحججت عن نفسك؟، فقال: لا، فقال: هذا (١)، ورواه ابن عباسٍ وعائشة رضي الله عنهما مسندًا. فإذا تقرر هذا، قال أصحابنا: حكم المعصوب الموسر وحكم الصحيح في أن الحج يلزمهما، فحجّ هذا عن نفسه وينوب هذا سواء لا يفترق حكمهما إلا في مسألتين:

أحداهما: أن القارن الصحيح لا يلزمه الحجّ إلا أن يجد نفقة الذهاب والرجوع على ما ذكرنا، ولو وجد المعصُوب من يحج عنه بنفقة الذهاب دون الرجوع وبدون نفقة من تلزمه نفقته إلى أن يذهب هو ويحجّ عنه يلزمه، ونظيره أنه إذا وجد من يحج عنه ماشيًا يلزمهُ أن يستأجر وإن كان هو بنفسه لا يلزمه الحجّ ماشيًا. وفيه وَجه آخر لا يلزم كما في الابن الفقير إذا قال: أحجّ عنك ماشيًا.

والثانية، لو كان قادرًا لا يمكنه أن يحجّ إلا في المحمل ولا يجد كفاية المحمل ويجد كفاية الراحلة لا يلزمه، ولو كان معصوبًا، ووجد من يحجّ عنه على الراحلة يلزمه، فإذا تقرر هذا رجعنا إلى وجوب الحج بطاعة الغير، فأعلم أنه لا فرق [١١/أ] بين أن يبذل له الطاعة، وبين أن يعلم منه أنه يطيعه إذا أمره به نصّ عليه في" الأم" (٢) و"الإملاء"، وغيرهما، فقال: وإذا وجد الزاد والراحلة، أو من إذا أمره امتثل أمره وأطاعه لزمه الحج، فاعتبر العلم بطاعتهِ دون البذل. ومن أصحابنا من قال: لا يلزمه ما لم يظهر الطاعة لأن ظن الأدب أن يطيعه إذا أمره، وقد يخطئ، وهذا اختيار القاضي الحسين ثم الكلام في فصلين:

أحدهما: في صفة المطاع الذي يلزمه الحج بطاعةِ الغير. والثاني: في صفة المطيع. وأما صفة المطاع فهي أن يجتمع ثلاث شرائط:

أحدها: أن يكون معصوبًا.

والثانية: أن يكون فقيرًا.


(١) أخرجه أبو داود (١٨١١)، وابن ماجه (٢٩٠٣)، وابن حبان (٣٩٧٧)، والدر اقطني (٢/ ٢٦٩)، والبيهقي في" الكبرى" (٨٦٧٦،٨٦٧٥).
(٢) انظر الأم (٢/ ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>